ربما تنزلق الأسواق.. لكنها لا تقع

21:39 مساء
قراءة 4 دقائق

مايك دولان*

لا شك أن هناك فقاعة انفجرت في خضم التقلبات الجامحة التي شهدناها قبل أسبوعين، ولكن هذه الفقاعة شملت في الأغلب صفقات عالية التقييم لا تعتمد على انخفاض تقلبات السوق فحسب، بل يمكنها أن تساعد أيضاً في إبقائها عند حدودها الدنيا، على الأقل لفترة من الوقت. لذا فإن ما قد نشهده الآن هو عودة التقلبات بسرعة وصخب إلى مستوياتها المألوفة تاريخياً، وعلى المستثمرين أن يطمئنوا إلى الطريقة التي انتهجتها أغلب محافظ الأصول مؤخراً.
فعلى مدى العام الماضي، كانت أسواق الأسهم والسندات في أغلب الأحيان تتأرجح وترتفع بالتوازي. وكان هذا الارتباط الإيجابي يشكل منذ فترة طويلة مصدر خوف كبير لكثيرين؛ لأنه يقلل من فائدة الاحتفاظ بكلا النوعين من الأصول. ولكن ما نشهده للتوّ، هو عودة إلى الوراء؛ حيث عملت السندات والأسهم مرة أخرى كتحوّطات طبيعية لبعضها.
ومع هبوط مؤشر «ستاندرد آند بورز» بنحو 8% منذ بداية الشهر وحتى أدنى مستوياته في الاثنين الأسود، قفزت مؤشرات أسعار سندات الخزانة بنحو 4%. ورغم أن هذا لا يزال يشكل ضربة عامة للمستثمر التقليدي الذي يعتمد على نسبة حيازات 40-60% للأسهم والسندات، فإنه أقل إيلاماً بكثير من الضرر الذي كان من الممكن أن تسبّبه مثل هذه التحركات المتطرفة في الأسهم. وهذا أمر بالغ الأهمية لتجنب نوع «التخلص المخيف من المخاطر» في المحافظ الاستثمارية، والذي قد يغذي ركوداً يسعى الجميع إلى تجنبه. بعبارة أخرى، انعكست مقولة «الأخبار الجيدة هي أخبار سيئة في التداول» من جديد.
فخلال العامين الماضيين من التضخم المرتفع ونمو أسعار الفائدة، كان أي شيء من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم هذه الصورة يميل في نفس الوقت إلى ضرب تكاليف الاقتراض والسندات وأسعار الأسهم. ولكن يبدو أن هذا قد تغير الآن بعد أن عاد التضخم إلى الاقتراب من هدف البنك المركزي تقريباً. وقد تؤثر المخاوف الدورية بشأن النمو الاقتصادي، مثل الزيادة الكبيرة المفاجئة الأخيرة في معدل البطالة، على الأسهم باهظة الثمن، ولكنها ترفع في المقابل أسعار السندات؛ لأنها تزيد من فرصة تخفيف الفيدرالي.
وعلاوة على ذلك، يبدو أننا نشهد أيضاً تطبيع «مؤشر الخوف» المحوري «فيكس» لتقلبات الأسهم. ويبدو أنه في طريق العودة إلى معاييره التاريخية عقِب انفجار الاثنين، بعد أن ظل أقل بكثير من المعدل الطبيعي لمدة 18 شهراً تقريباً. كما هدأ تداول العقود الآجلة للمؤشر بعد الارتفاع القياسي ليوم واحد، لتستقر عند مستويات تكاد تكون قريبة من متوسط 30 عاماً.
لا يقدم هذا السرد السريع إلا القليل من الأدلة حول احتمالات الركود في المستقبل، أو استدامة التقييمات المفرطة لأسهم شركات التكنولوجيا العملاقة وأدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة الخاصة بها. ولكنه يساعد في إعادة معايرة الأسواق بعيداً عن نوع المواقف المتطرفة التي تجعل الصدمات أكثر احتمالاً عندما تكون هناك تحديات للفكر الموحد. والافتراض الأحدث من هذا القبيل، بالطبع، هو فكرة أننا سنرى توسعاً اقتصادياً دائماً يمكن أن تستمر الصفقات منخفضة التقلبات في تناوله بشراهة.
وفيما يتعلق بنتيجة الركود، ضع في اعتبارك أن أحدث تقديرات «جيه بي مورغان» تشير إلى أن هناك فرصة واحدة تقريباً من كل ثلاثة لحدوث ركود في الولايات المتحدة خلال العام المقبل. ولا يزال هذا النداء الهبوطي يفترض أن النتيجة الأكثر ترجيحاً هي «هبوط ناعم» يتم فيه ترويض التضخم من دون إثارة ركود مؤلم أو ارتفاع حاد في البطالة.
وما يبدو أكثر يقيناً هو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيبدأ في خفض أسعار الفائدة الشهر المقبل على أية حال، وخاصة لأنه يعتبر أن سعر الفائدة «الحقيقي» الحالي مقيد للغاية بالنسبة لسوق العمل المتراخية الآن بعد عودة التضخم إلى السيطرة. وقد يكون مدى دورة التخفيف هذه أقل مما يوحي به الانخفاض الحر في عائدات سندات الخزانة ورهانات سوق المال الأسبوع الماضي. ولكن قدرة بنك الاحتياطي الفيدرالي على صد الانحدار بأسعار فائدة أقل تشكل ضربة قوية للأسهم في كلتا الحالتين.
ويشير ستيفن دوفر من معهد «فرانكلين تمبلتون» إلى أن متوسط عائد سوق الأسهم لمدة عام واحد بعد أول خفض لسعر الفائدة من قِبل الفيدرالي يبلغ نحو 5% حتى عندما يحدث الركود، و16.6% عندما تأتي التخفيضات بدون ركود.
من ناحية أخرى، قد تدفع تقييمات الأسهم باهظة الثمن والشكوك حول الذكاء الاصطناعي في بيئة تتسم بتقلبات أكثر طبيعية ومخاوف متزايدة من الركود، المستثمرين الذين يحتفظون بصناديق الأصول المختلطة إلى إعادة التوازن بعيداً عن الأسهم. وإذا حدث هذا التحول، قد يجلب معه رياحاً عكسية ستعصف بالأسهم.
وبحسب المحللين في «جيه بي مورغان»، فإنه على الرغم من هبوط أسعار الأسهم الأسبوع الماضي، ظلت التخصيصات على مستوى العالم أعلى كثيراً من المتوسط. وإذا عادت هذه التقييمات إلى متوسط العقد الماضي، فمن المفترض أن تتراجع أسعار الأسهم بنسبة 8% أخرى. ومع ذلك، ورغم كل الضجيج في الأيام الأخيرة، قد تترك العودة الصاخبة لسلوك السوق الطبيعي للمستثمرين بيئة أكثر أماناً واستدامة للعمل بأريحية.
*محرر الأسواق المالية في «رويترز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/u297drjx

عن الكاتب

محرر الأسواق المالية في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"