الصين وسلاسل توريد السيارات

21:15 مساء
قراءة 3 دقائق

مايك مولفاني*

ماذا نفعل بشأن الصين؟ سؤال يهيمن بلا شك على كل قضية جيوسياسية رئيسية تقريباً في يومنا هذا، من تايوان إلى التبادلات التجارية، إلى ملكية الأراضي الزراعية، لكنه سؤال مرتبط بشكل خاص أيضاً بصناعة السيارات الأمريكية.
تمرّ هذه الصناعة بمرحلة حرجة، أصبحت خلالها السيارات بمثابة المحور الذي تتقاطع فيه الاعتبارات التكنولوجيــــة والاقتصاديـــة والأمنية الوطنية، وبات من غير اللائق بالنسبة لواشنطن أن تتواجد بكين عند هذا التقاطع أيضاً.
لقد أصبحت الصين لاعباً رئيسياً في سلسلة القيمة العالمية للسيارات. وجعلتها قدراتها التصنيعية الهائلة، إلى جانب سوقها المحلية سريعة النمو، شريكاً استراتيجياً جذاباً لشركات صناعة السيارات في جميع أنحاء العالم. وهذا يمثل تحدياً لا لُبس فيه. فكيف يمكن لدول مثل الولايات المتحدة، الحذرة من الصين، أن تدير ظهرها للفوائد الاقتصادية الكبيرة المترتبة على التعامل مع العملاق الآسيوي، وتحمي مصالحها الوطنية في الوقت نفسه؟
ومــن الأهمية بمكـــان أن تعمل صناعة السيارات بشكل وثيق مع الحكومات لوضع حدود واضحة وإرشادات للتعاون مع الصين لضمان بقاء الغرب في طليعة الابتكار. وبهذا الصدد، لدى حكومة الولايات المتحدة، وخاصة وزارة التجارة، دور حيوي تلعبه. فمن خلال الأوامر التنفيذية، مثل أمر عام 2019 بشأن تأمين سلسلة توريد تكنولوجيـــا المعلومات والاتصالات والخدمات، يمكن للحكومة إنشاء إطار تنظيمي يعالج المخاوف المحيطة بمشاركة الصين في سلسلة توريد السيارات مع التأكيد على الحاجة إلى نهج دقيق للتنظيم.
ومن الضروري للغاية أن نحمي أنفسنا من التهديدات المحتملة التي يفرضها تورط الصين فـــي قطاعات حيوية مثل أنظمـة السيارات. لكن الإطار التنظيمي الذي يناسب الجميع قد يضر بقدر ما ينفع شركات تصنيع السيارات الأمريكية. لذا، فإن النهج الجراحي الذي يستهدف مجالات محددة من الاهتمام، مع تعزيز بيئة مواتية للابتكار والمنافسة في نفس الوقت، هو الخيار الأفضل.
ويتطلب هذا النهج المتوازن في وضع القواعد الدقة الشديدة واللين، إذ يجب على الولايات المتحدة تجنب الاستراتيجية القاسية التي يمكن أن تخنق الابتكار، وتعوق النمو الاقتصادي، وتجهد العلاقات مع الحلفاء، وأن تمتلك الهيئات التنظيمية القدرة على استخدام الأدوات اللازمة بفعالية، وأن تضع لوائح تخفف من المخاطر مع السماح في الوقت نفسه بشراكات مفيدة لجميع الأطراف.
وعلى سبيل المثال، ضع في اعتبارك الفرق بين استيراد الأجزاء الفردية والسيارات الكاملة. ففي حين أن الحصول على السيارات الكاملة من الصين قد يشكل خطراً كبيراً على الأمن القومي الأمريكي، فإن التهديد الذي تشكله الأجزاء الفردية أقل بكثير. وفي الواقع، من شأن هذه الأجزاء أن تساعد شركات صناعة السيارات الأمريكية على الحصول على مجموعة أكبر من مصنعي المعدات الأصلية، ما يمنحها المزيد من الخيارات عندما يتعلق الأمر بالأجزاء التي يتم الحصول عليها من الصين. ومن خلال التركيز على الجوانب الأكثر أهمية في سلسلة التوريد، يمكن لصناع السياسات الأمريكيين إدارة المخاطر بفعالية دون تعطيل الصناعة بأكملها بشكل غير ضروري من خلال فرض مزيد من اللوائح المرهقة أو غير المنطقية.
ولا تستطيع الولايات المتحدة التظاهر بأن صناعة السيارات ليست صناعة عالمية، مع سلاسل توريد معقدة تمتد عبر بلدان متعددة. بالتالي، فإن المبادرة الشاملة التي تستهدف الصين دون النظر في التأثيرات اللاحقة سوف تطلق العنان لسلسلة من العواقب غير المقصودة، وقد تضر بالمصالح الاقتصادية الأمريكية.
ولكن هل ينبغي لنا أن نتعامل مـع محرك يتألف من آلاف القطع والأجــزاء ويحتوي على مكون صغير مصنوع في الصين، ولكن تم تجميعه في كندا على سبيل المثال، بنفس الطريقة التي نتعامل بها مع محرك مصنوع بالكامل في الصين من أجزاء صينية بالكامل؟
ويتعين على الولايات المتحدة أن تعمل مع حلفائها وشركائها لتطوير نهج منسق يعالج المخاوف المشتركة مع تعزيز المنافسة العادلة والأسواق المفتوحة بين الجهات الفاعلة حسنة النية.
ولا تزال قوة السوق الحرة في دفع الابتكار والنمو الاقتصادي لا مثيل لها. وسوف يكون التمسك بهذه المبادئ، في الوقت الذي تسعى فيه البلدان الغربية والديمقراطية والمنفتحة اقتصادياً إلى مواجهة التحديات التي يفرضها دور الصين فــي صناعة السيـارات، أمراً بالغ الأهمية، ولكن ليس من دون تحديات سياسية. ومن خلال العمل بشكل تعاوني مع أصحاب المصلحة فــــي الصناعة وشركائنا الدوليين، تستطيع حكومة الولايات المتحدة، وينبغي لها، أن تطور نهجاً متوازناً يحمي الأمن القومي دون التضحية بفوائد التجارة العالمية.
* كبير موظفي البيت الأبيض الأسبق ـ «نيوزويك»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2k5pdpc4

عن الكاتب

كبير موظفي البيت الأبيض الأسبق

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"