عادي
صدر في الشارقة

«الإحساس بالنهاية».. الذاكرة طريقنا إلى فهم الذات

15:49 مساء
قراءة 5 دقائق
جوليان بارنز

الناشر: دار روايات
الشارقة - عثمان حسن
«الإحساس بالنهاية» هي رواية للكاتب البريطاني المعروف جوليان بارنز، صدرت الرواية بالإنجليزية في نيويورك 2011، وصدرت نسخة عربية من الرواية من ترجمة طلال فيصل في عام 2018 عن دار «روايات».
تلخص الرواية مجموعة من الأحداث التي يمرّ بها رجل ستيني اسمه أنتوني وبستر، الذي نكتشف أنه كان رجلاً مطلقاً، ويتلقى بعد 40 عاماً، تركة من والدة حبيبته السابقة مقدارها 500 جنيه استرليني، ومن ضمن هذه التركة مجموعة من الرسائل البريدية التي تكشف بدورها عن أحداث كثيرة يستعيد من خلالها البطل العديد من ذكريات الماضي، وقد كتب جوليان بارنز الرواية بلسان البطل «أنتوني»، من دون أن يشاركه أحد في السرد.
تنقسم الرواية إلى جزأين، يبدأ الأول في الستينيات من القرن الماضي، مع أربعة أصدقاء متغطرسين فكرياً، منهم صديقه أدريان، الذي يوصف بأنه الأكثر ذكاء بين الأربعة. وفي فترة نهاية أيام دراسة الأصدقاء، وبعدما شنق صبي آخر في المدرسة نفسه، لأنه ارتبط بعلاقة محرمة مع فتاة، يناقش الأصدقاء الأربعة الصعوبة الفلسفية المتمثلة في معرفة ما حدث بالضبط. يذهب أدريان إلى جامعة كامبريدج، وأنتوني إلى جامعة بريستول. يرتبط أنتوني بعلاقة صداقة مع فيرونيكا، ويقضي عطلة نهاية أسبوع في منزل عائلتها. وفي صباح أحد الأيام، يستيقظ أنتوني ليجد نفسه ووالدة فيرونيكا، واسمها سارة، بمفردهما في المنزل، فتعتذر له عن سلوك عائلتها تجاهه.
تفشل علاقة أنتوني وفيرونيكا، فينفصل عنها، الأمر الذي يشعره باليأس، وفي سنته الأخيرة في الجامعة، يتلقى أنتوني رسالة من صديقه أدريان يخبره أنه قرر المواظبة والخروج مع حبيبة أنتوني السابقة فيرونيكا. يرد أنتوني على الرسالة، بعد بضعة أشهر، يعرف في ما بعد أن صديقه أدريان قد انتحر، تاركاً رسالة موجهة إلى الطبيب الشرعي تقول: إن الشخص الحر لديه واجب فلسفي لكي يدير حياته، ويمكنه بعد ذلك اختيار التخلي عنها. يعجب أنتوني بالمنطق. فيروي بإيجاز ذكريات الأربعين عاماً التالية الخالية من الأحداث من حياته حتى الستينيات من عمره.
*تأملات
في الجزء الثاني من الرواية، يواصل أنتوني سرد الأحداث، التي تبلغ ضعف طول الجزء الأول، ابتداء من وصول رسالة من محام تخبره بأن والدة فيرونيكا قد أورثته 500 جنيه استرليني، كما تركت له وثيقتين. هذا يقود أنتوني إلى إعادة الاتصال بفيرونيكا، وبعد عدة لقاءات بينهما، يعلم أن فيرونيكا لديها مذكرات أدريان، وهذا يدفعه إلى مخاطبتها من خلال عدة رسائل إلكترونية يكرر من خلالها طلبه الحصول على مذكرات أدريان، ترسل فيرونيكا في النهاية إلى أنتوني صفحة واحدة من المذكرات، تحتوي على تأملات أدريان في الحياة كسلسلة من الرهانات التراكمية. بعد ذلك، تقابل فيرونيكا أنتوني عند جسر الألفية في لندن، وتعطيه الرسالة التي أرسلها إلى أدريان في شبابه. وعند إعادة قراءة تلك الرسالة، يدرك أنتوني مدى خبث أدريان، وكيف أنه قام بمحو الكثير عن علاقتهما، ومع ذلك، يصر على استعادة المذكرات من فيرونيكا، وبدورها تطلب منه مقابلتها في مكان ما في شمال لندن، حيث تقوده بالسيارة لرؤية مجموعة من الرجال الذين يعانون صعوبات التعلم، يقودهم مشرف الرعاية في نزهة، وتشير فيرونيكا إلى أحد هؤلاء الرجال. لا يفهم أنتوني أهمية هذا الأمر، وتتركه فيرونيكا من دون تفسير. وعلى مدار عدة أسابيع، يعيد أنتوني زيارة الموقع حتى يتمكن من رؤية الرجل الذي أشارت إليه فيرونيكا، يحيّي أنتوني الرجل قائلاً إنه صديق فيرونيكا، ويقابله الرجل باستجابة فيها الكثير من الانزعاج، يتذكر أنتوني ذكرى أدريان من ملامح وجه الرجل. فيرسل بريداً إلكترونياً إلى فيرونيكا فيه اعتذار خاص، قائلاً إنه لم يدرك أنها وأدريان كان لديهما ابن. ترد فيرونيكا فقط بقولها: «أنت لا تفهم ذلك، ويبدو أنك لن تفهم مطلقاً»، عند زيارته للمكان الذي رأى فيه الرجل، دخل أنتوني في محادثة مع مشرف الرعاية الذي كشف أن الرجل هو في الواقع ابن والدة فيرونيكا، ما يجعله الأخ غير الشقيق لفيرونيكا. وتترك تلك الأحداث الفرصة للقارئ لمحاولة ربطها وحبك خيوطها.
*أحداث الماضي
بعد أربعين سنة عاش أنتوني حياة هادئة تخلو من المفاجآت، حيث يتزوج بهدوء من مارغريت وينجب منها ابنته الوحيدة سوزي، ثم ها هو يطلق زوجته بهدوء ويتقاعد من عمله، وحين تصله رسالة والدة فيرونيكا المتوفاة حديثا التي تشتمل على إرث 500 جنيه ووثيقتين، يكتشف أن إحدى الوثيقتين كانت يوميات أدريان التي كتبها قبل انتحاره.
وعلى قدر ما كان الماضي مشوشا بالنسبة إلى أنتوني، يجد نفسه الآن مجبرا على إعادة بنائه من الذاكرة، بقدر ما تكون الذاكرة الإنسانية مضللة، تبين أن الإنسان حين يتقدم في العمر، فذلك لا يعني أن حياته سوف تصل إلى نهاية مرتقبة، ونضج في الشخصية، كما توقع أنتوني نفسه، بل أن البحث عن الذات ما هو إلا رحلة متواصلة لا يوقفها إلا الموت.
*الزمن
تدور الرواية حول الزمن والذاكرة، وما يرتبط بهما من تفسير التاريخ وكتابته، فالتفسير الشخصي والموضوعي للتاريخ سواء تاريخ الأشخاص أو تاريخ الأمم وعدم موثوقية الذاكرة وأخطائها تقع في مركز الرواية. فإحدى المشاكل الرئيسية في التاريخ كما يقول أدريان لمعلمه (هي مسألة التفسير الشخصي ضد التفسير الموضوعي) فالتاريخ كما يقول أدريان: «هو ذلك اليقين الذي يحدث عند النقطة التي تلتقي فيها عيوب الذاكرة مع عدم كفاية التوثيق» ونحن إذا تمعنا في سرد أنتوني لقصته، نجد أنه في الواقع يكتب تاريخا لحياته معتمدا في ذلك على ذاكرته، بما تعانيه من عيوب وتوثيق غير كاف لأحداث ماضية، وبالتالي، فهو مؤرخ أو سارد غير موثوق به، فالنسخة التاريخية لأي حدث يعرضه لنا إما أنها تتغير، وإما أنه يعرض لنا معها نسخة أخرى موازية لها ويبقى حائرا بشأن مصداقية أي منهما.
هذا الفهم للتاريخ والزمن يتجلى بوضوح عندما يقول البطل: «نحن نعيش في زمن يحتوينا، ويشكلنا، لكن لم أشعر قط بأني فهمته بشكل جيد، ولا أشير هنا إلى نظريات حول كيفية انثنائه وارتداده، أو إلى إمكان وجوده في مكان آخر في نسخ متوازية. كلا، بل أعني الزمن الاعتيادي اليومي الذي تؤكد لنا ساعات اليد والحائط أنه يمر بشكل منتظم: تيك، تيك – توك. هل هناك شيء آخر أكثر مصداقية من عقرب الثواني؟ ومع ذلك نحتاج إلى أقل من المتعة والألم لتعلم مطواعية الزمن».
*اقتباسات
«الحياة ليست مجرد إضافة وطرح. هناك أيضا تراكم، تضاعف للخسارة والفشل».
«أردت من الحياة ألا تزعجني كثيرا، ونجحت في ذلك، وكم كان ذلك مثيرا للشفقة».
«كيف عليً أن أفكر في فيرونيكا؟ أدريان أحبها، ومع هذا قتل نفسه».
«أدريان سبب للشرطة إزعاجا حين طلب من الطبيب الشرعي أن ينشر كلماته الأخيرة للعلن».
«لم يكن الخزي ما شعرت به، أو الذنب، بل شيء أكثر ندرة في حياتي وأقوى منهما: الندم، شعور أكثر تعقيدا، متخثر وبدائي».
لقد استمتعت بزواجي، لكن ربما كان هادئا أكثر من اللازم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/msj9x9c3

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"