الإنقاذ البريطاني المتأخر

02:30 صباحا
قراءة 3 دقائق

تداعى وزير الخزانة البريطاني جورج أوزبورن ومحافظ البنك المركزي (بنك إنجلترا) مرفين كنغ إلى التصرف بسرعة كرد فعل على ما يبدو اتساع نطاق الديون في دول منطقة اليورو . وأعلن كنغ عن إجراء عاجل بتوفير ما يصل إلى 140 مليار جنيه إسترليني كقروض ميسّرة للبنوك للتمكّن من إقراض الشركات والأفراد . بينما تعهد أوزبورن ببرنامج إنفاق في قطاع الإنشاءات لتنشيط الاقتصاد . وكان لتلك التصريحات أثر فوري سرعان ما خبا بالضبط كما خفت الأثر الإيجابي لقرض الإنقاذ الأوروبي للقطاع المصرفي الإسباني بنحو 100 مليار يورو .

ويسعى بنك إنجلترا لتفادي تكرار عمليات التيسير الكمي (أي شراء سندات حكومية من المصارف والمؤسسات المالية، على أن تستخدم هذه المؤسسات العائد لشراء أصول أخرى وضخها في الاقتصاد) التي قام بها على مدى العامين الماضيين . إذ ضخ البنك ما يزيد على 320 مليار جنيه إسترليني (أي ما يقرب من نصف تريليون دولار) في القطاع المالي، على أمل تخفيف الانكماش الائتماني . ويبدو أن كل تلك الأموال لم تأت بنتيجة، فلم ينشط الإقراض، وبالتالي ظل الاقتصاد البريطاني يجاهد ليصل إلى طريق التعافي من دون جدوى . وتأكد هذا بدخوله في ركود ثانٍ مضاعف بعد نمو سلبي في الربع الأخير من العام الماضي والربع الأول من العام الجاري .

فبدلاً من إعادة تدوير تلك الأموال الحكومية التي وفرها التيسير الكمي في الاقتصاد، اكتنزت المصارف والمؤسسات المالية تلك الأموال لضبط دفاترها وتلبية متطلبات التدقيق المصرفي في الأخيرة بدلاً من الإقراض لتنشيط الاقتصاد كما كان مأمولاً . وهكذا بدا كأن طبع الأموال إنما استهدف مساعدة تلك البنوك والمؤسسات على تغطية مشكلات ديونها المعدومة واستثماراتها الخاسرة لضبط كشوف حساباتها فقط .

وبما أن وزير الخزانة ومحافظ البنك اختارا الإعلان عن حزمة الحوافز النقدية تلك في وقت تتفاقم فيه أزمة ديون منطقة اليورو، كأنها إجراء وقائي، فالهدف إذاً ليس إلا حماية النظام المصرفي البريطاني من خطر الانكشاف على أزمة القطاع المصرفي الأوروبي . وهذا منطقي - بمعنى أهمية حماية قطاع مهم ورئيسي في الاقتصاد - لكن لا يمكن سحبه إلى الهدف الأبعد وهو تنشيط الاقتصاد وتحفيز النمو للخروج من الركود الحاد .

ورغم أن وزارة الخزانة تبدو في طور ضخ أموال عامة في مشروعات إنشاء وغيرها لتنشيط الاقتصاد، إلا أن ذلك الإنفاق العام يأتي متأخراً جداً وبقدر ضئيل بما يجعل تأثيره شبه معدوم في تحفيز النمو . وإذا كان تصرف البنك المركزي لحماية القطاع المصرفي في وجه أزمة ديون منطقة اليورو مفهوماً من ناحية توقيته، إلا أنه أيضاً يأتي على حساب ما كان متوقعاً من إصلاح القطاع المصرفي البريطاني . إذ كان من المفترض أن تعلن إجراءات الإصلاح التي تستهدف حماية أموال دافعي الضرائب في حالة إنقاذ البنوك المتعثرة .

أما زيادة الإنفاق الحكومي التي لم يتضح مداها حتى الآن، فربما تكون الإجراء المعني بالفعل بتنشيط الاقتصاد . لكنه إجراء يأتي بعد فترة من التقشف الشديد تضمنت خفضاً للإنفاق وتقليصاً للخدمات العامة وزيادة البطالة . وبعد عامين من حكم حزب المحافظين (متحالفاً مع الليبراليين الديمقراطيين) لم يتحسن وضع الاقتصاد، بل اتجه من سيئ إلى أسوأ . وكان رهان حكومة ديفيد كاميرون أن القطاع الخاص سيوفر فرص عمل تمتص البطالة الناجمة عن التقشف وأن استثمارات القطاع الخاص ستسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي بما يدعم التعافي . لكن أياً من هذا لم يحدث، وما كان متوقعاً له أن يحدث . وبالتالي يسعى السياسيون لإنقاذ فرصهم الانتخابية بإحداث تغيير في منحى الاقتصاد التنازلي .

أما الجدوى الاقتصادية من تلك الإجراءات القليلة والمتأخرة فليست بالكبيرة، ولا حتى في سياق الهدف الآني السريع: أي مواجهة أزمة ديون منطقة اليورو . وبانتظار أرقام الاقتصاد الكلي البريطاني للربع الثاني بعد تعديلها والأرقام الدورية بعد انتهاء دورة الألعاب الأولمبية في لندن، سيمكن الحكم على مستقبل الركود - ودعك من مسألة الانتعاش الآن - في الاقتصاد البريطاني وما إذا كان تحول إلى كساد عميق أم بالإمكان وقف التدهور أكثر .

خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"