الخطر «الإسرائيلي» القادم من إفريقيا

04:35 صباحا
قراءة 3 دقائق
لا يحيد عن الصواب من يعد استئناف العلاقات بين «إسرائيل» وغينيا الأسبوع الماضي بعد قطيعة استمرت نحو نصف قرن، أول الغيث على صعيد العلاقات «الإسرائيلية» الإفريقية، عقب جولة رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتانياهو في القارة. الجولة التي شملت أربع دول هي: أوغندا وكينيا وإثيوبيا ورواندا، وشارك خلالها في قمة إفريقية مصغرة ضمت قادة آخرين، وتعد هذه الزيارة الأولى التي يقوم بها رئيس وزراء «إسرائيلي» إلى إفريقيا منذ 1994. لهذا لم يكن من المستغرب أن يعتبرها نتانياهو بداية لعصر جديد عادت فيه «إسرائيل» لإفريقيا، ورجعت فيه القارة السمراء للدولة العبرية.
من الناحية الرمزية يبدو هذا صحيحاً بالنظر إلى ما تمثله القمم الرئاسية من مؤشر على أهمية القضايا المطروحة بالنسبة للمشاركين ومستوى وحجم التعاون بينهم. إلا أن الأقرب للواقع القول إن الجولة كانت تتويجاً لعلاقات قائمة ومتنامية بالفعل بين «إسرائيل» وبلدان القارة منذ سنوات، ولم تكن تأسيساً لهذه العلاقات.

وقد شهد التعاون بين الجانبين ازدهاراً كبيراً منذ التوجه الإفريقي لإعادة العلاقات الدبلوماسية رسمياً مع «إسرائيل»، الذي بلغ ذروته بعد مؤتمر مدريد 1991 عندما أعادت نحو ثلاثين دولة إفريقية علاقاتها مع «تل أبيب»، بعد أن كانت قد قطعتها إثر حربي 1967 أو 1973.

يظهر هذا بوضوح حجم التأثير الذي لعبته قضايا العرب في تاريخ العلاقات الإفريقية «الإسرائيلية». وغني عن القول إن المكاسب التي تحصدها «إسرائيل» من خلال علاقاتها المتطورة مع بلدان القارة تمثل خصماً مباشراً من رصيد العرب ومصالحهم. ولا تغيب هذه الحقيقة لحظة واحدة عن ذهن صانعي السياسية «الإسرائيلية»، وهم يضعون الأسس الراسخة لتطوير علاقاتهم بإفريقيا، وتحقيق أقصى مستوى من التغلغل في دولها.
تعرف «إسرائيل» جيداً ما تريده القارة وما تحتاج إليه، وتسارع بتقديمه بأكثر المهارات التسويقية الممكنة. تتعطش إفريقيا إلى التكنولوجيا والتدريب والتسليح والخبرات التنموية المتنوعة، وهي كلها بضائع حاضرة لدى «الإسرائيليين».
تريد إفريقيا أيضاً مساعدتها في مكافحة ما يوصف «بالإرهاب الإسلامي» وهو هاجس «إسرائيلي» دائم. والتعاون الاستخباري والأمني والعسكري هو المجال الطبيعي لمواجهة هذا الخطر المشترك. وظل هذا النوع من التعاون دائماً هو المكون الأساسي والمفصلي في منظومة العلاقات الإفريقية «الإسرائيلية».
ولا تقتصر الخدمات التي تقدمها «إسرائيل» في مجال التدريب على الجانب العسكري، بل تتعداه إلى سائر القطاعات التنموية المدنية، وهو ما يضمن لها تغلغلاً ناجحاً وسلساً في قلب المجتمعات الإفريقية، وليس على مستوى نخبتها الحاكمة وأذرعها العسكرية فقط.
وإذا كانت المبادلات التجارية التي تبلغ حالياً نحو ملياري دولار بين الجانبين لا ترقى لمستوى طموحاتهما، فإن الخطط القائمة تستهدف مضاعفة هذا الرقم في المستقبل القريب، خاصة في مجالات التكنولوجيا والزراعة. ولم يكن نتانياهو يمزح وهو يعلن لقادة القارة أن لدى بلاده سلالة من الأبقار هي الأعلى إدراراً ل اللبن في العالم. ذلك أن هذا بالضبط ما تحتاج إليه إفريقيا الغنية بالموارد، والعاجزة عن تطويرها واستغلالها.
ومع ذلك يبقى التعاون الاقتصادي أحد الجوانب وليس هو الأهم في أجندة «إسرائيل» الإفريقية. قبله تضع «تل أبيب» نصب أعينها مجموعة من الأهداف الاستراتيجية التي يحققها تكثيف تواجدها ونفوذها في القارة، وفي مقدمة ذلك حصار العرب من خاصرتهم الجنوبية، لاسيما عبر بلدان منابع النيل والقرن الإفريقي. وتدرك «إسرائيل» جيداً أهمية وحساسية هاتين المنطقتين للأمن القومي العربي. وليس من قبيل المصادفة أن تكون جولة نتانياهو في هاتين المنطقتين...
لإفريقيا أهمية أخرى بالنسبة ل «إسرائيل» تتمثل في ثقلها التصويتي في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. وطالما عانت «إسرائيل» من هذه الكتلة التي وقفت دائماً إلى جانب الحق العربي. وفي ظل علاقات وطيدة ومصالح متبادلة سيكون بوسع «إسرائيل» الاستفادة من أصوات 54 صديقاً إفريقياً جديداً.

أخيراً لا يمكن إغفال الأطماع «الإسرائيلية» في الثروات الإفريقية الطبيعية. والتاريخ الإفريقي على نحو خاص يشي بأن هذه الموارد مع نظم الحكم كانت دائماً تشكل وجهين لعملة واحدة. من يسيطر على أحدهما يسيطر على الآخر. وللدول الاستعمارية خبرة طويلة في التلاعب بالوجهين والسيطرة عليهما. وهي خبرة لا تعدمها «إسرائيل» ولا تنقصها المهارة ولا الانتهازية للمشاركة في هذه اللعبة القذرة.

أين العرب من كل ذلك؟ الإجابة إنهم مشغولون، بل غارقون في همومهم وأزماتهم وحروبهم الداخلية. وإلى أن يفيقوا سيكون قد تشكل واقعاً جديداً على تخومهم الجنوبية يضيف بدوره أزمة أخرى لأزماتهم التاريخية المزمنة.

المكاسب التي تحصدها «إسرائيل» من خلال علاقاتها المتطورة مع بلدان القارة الإفريقية تمثل خصماً مباشراً من رصيد العرب ومصالحهم


عاصم عبد الخالق
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"