الكتاب المنسي والمهمل

01:47 صباحا
قراءة دقيقتين
دائماً تذكرنا معارض الكتب بالكتاب، هذا المهمل المنسي، الذي يضيع منا في زحمة الحياة، ننساه دون قصد وبقصد أيضاً، فكثيراً ما يشتري المحب للقراءة الكثير من العناوين عندما يتجول في معرض للكتب، ويكون سعيداً وهو يقتنص هذا الكتاب، ويعجب بآخر، ويتخطّف قلبه لرقة مؤلف ما، ويسعد بديوان شعري لأحد الشعراء الجدد، وتمتد اليد لتحتضن رواية أو قصة، وفي هذا السباق تمتلئ حقيبته بالكتب تذهب كلها لتنام نومة هادئة على رفوف المكتبة المنزلية، وتمر الأيام وربما العام ولم يتحقق زيارة كتاب واحد منها لقراءته أو مسح ما علق عليه من غبار مهما كان الشغف بالكتاب، ومهما كانت المحبة للقراءة والبحث عن المعرفة.
هذه الحالة موجودة بكثرة في هذه الأيام؛ حيث نجد معارض الكتب تعج بفئات شتى من المجتمع، الطبيب، والمهندس، والشاعر والمثقف، والفنان، والرسام، وطالب المدرسة، وطلاب الجامعات، الأمهات والأطفال، من كل الأعمار والأذواق، والحصيلة في النهاية المزيد من الكتب يشد بعضها بعضاً داخل جدران البيت والعقل محروم منها، وفي هذه الأيام نعيش حالة شرائية مع «معرض العين للكتاب»، الذي تتعدد إصدارات دور النشر فيه، وننتظر بشغف كبير «معرض الشارقة الدولي للكتاب» وبعده «معرض أبوظبي الدولي للكتاب».
تتعدد المعارض وتتنوع مصادر المعرفة لتصل إلى آلاف العناوين والإصدارات الحديثة باللغتين العربية والإنجليزية وغيرهما أحياناً، وفي هذا الزخم نتناسى أن نضع الخطط التي تجعلنا نقرأ ونحقق المعادلة الصعبة بعد الشراء، وأعتقد أن الأسرة كلها بحاجة إلى أن تتفهم أن الكتاب أهم من الجلوس أمام البرامج التليفزيونية المسلية والإذاعية أيضاً، وأهم من منادمة الهاتف النقال، وتصفح وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، فإذا جعلت الأسرة الكتاب ضمن أولوياتها سوف تنكسر هذه الغشاوة التي تشجع على الجهل المعرفي وتطلق العنان للقشور عبر محركات البحث «والسوشيال ميديا» فلا يمكن أن تُستقى مصادر المعرفة وحدها منها دون الرجوع إلى الكتاب ودراسته وفهمه، فالبعض استعاض عن القراءة بالمعلومات السريعة عبر محركات البحث، ومع امتنانا لما تقدمه من معلومات إلا أنها لا تغني عن الكتاب، وإذا كان البعض يقول عن الكتاب «إن من كان شيخه كتابه خطؤه أكثر من صوابه» فما بالنا بهذا الكم من المصادر عبر الإنترنت، التي يحتاج الكثير منها إلى تفنيد ومراجعة عن طريق الكتب، فالكتاب مهما تقادمت عليه الأيام والسنين سيظل هو المرفأ الذي تستريح عليه سفن العلم، ولا يمكن لنا أن نتصور مستقبلنا ومستقبل أبنائنا من دون الكتاب وما يحوي من كنوز معرفية ونافذة ثقافية.
إن الواقع مرير والمأساة أكبر؛ إذ نجد أن المثقفين توقفوا عن القراءة واكتفوا بما عرفوا، وبعض الأدباء نراهم في حالة من الإعجاب بأنفسهم ويتباهون بأنهم لم يقرؤوا كتاباً منذ شهور أو سنين وكأن أحدهم يود أن يقول أنا لم أعد بحاجة إلى أخذ العلم عن أحد فكل الكتب لم تعد تعنيني وهذا قمة الجهل وهو ما ينعكس بصورة سلبية على المجتمع وعلى الأسرة وعلى الثقافة العامة؛ لأن المعرفة تتجدد؛ لذلك لا بد أن نغتنم فرصة وجود معارض الكتب في حياتنا حتى ننمو ثقافياً ونتلاقى فكرياً ونعرف أكثر.
محمد عبدالله البريكي
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"