النجاح في إثارة السخط الدولي

04:12 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

لا يتوانى رئيس وزرار الاحتلال بنيامين نتنياهو عن استخدام كل شيء في حملته الانتخابية باسمه شخصياً وباسم تكتل الليكود. ومن ذلك المزايدة على قاعدته اليمينية المتطرفة بالإعلان عن عزمه على شرعنة الاستيلاء على منطقة غور الأردن والبحر الميت، المحاذيتين للحدود مع الأردن، وذلك في حال فوزه في الانتخابات المقررة غداً الثلاثاء.
وبينما يتنافس السياسيون في العالم وبالذات في الديمقراطيات المتقدمة، على معالجة المشكلات الداخلية، وتوطيد ركائز الأمن والسلم في العالم، فإن نتنياهو لا يجد مانعاً من اهتبال فرصة الحملات الانتخابية كي يتباهى بانتهاك القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وإنكار حقوق الغير، وهو الأمر الذي أثار أصداء عالمية واسعة، علاوة على المواقف العربية والإسلامية الساخطة، ومن ضمنها اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي من المقرر أن يكون قد عقد أمس الأحد بطلب من السعودية للنظر في هذا التصعيد «الإسرائيلي» الخطير.
الأصداء العالمية نددت بهذه التوجهات التي تلحق ضرراً جسيماً بالآمال السلمية وبفرص التوصل إلى تسوية وفق ما توافق عليه المجتمع الدولي منذ أزيد من نصف قرن. وقد رأى أرفع مسؤول دولي وهو أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، في بيان له ألقاه المتحدث الرسمي باسمه ستيفان دوجاريك، «هذه الخطوات «الإسرائيلية»، إذا نفذت، تكون بمثابة انتهاك خطير للقانون الدولي، وستتسبب في تدمير جهود إعادة إحياء المفاوضات والسلام الإقليمي، ومن شأنها أن تقوّض بشدة حل الدولتين». فيما أعربت روسيا قبيل استقبال نتنياهو من طرف الرئيس فلاديمير بوتين عن مخاوف إزاء مثل هذه الخطط من القيادة «الإسرائيلية» التي قد يغذي تنفيذها التوتر في المنطقة ويقوّض آمال تحقيق السلام الذي طال انتظاره بين «إسرائيل» والفلسطينيين.
وقد انضمت خمس دول أوروبية رئيسية إلى موجة التنديد بهذه التصريحات، فقد دانت واستنكرت كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا، تصريح نتنياهو في بيان لها، قائلةً إن ذلك «يعدّ انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي في حال حصوله». وتابع البيان: «في حال تم تطبيق الإعلان فهذا سيعد خرقاً فادحاً للقانون الدولي».
وتنبع أهمية هذه المواقف في كونها تصدر عن أطراف وازنة في العالم، بعضها يحتل مقاعد دائمة في مجلس الأمن، ولا يعرف عنها عداؤها لتل أبيب، لكنها تتمسك بضرورة التوصل إلى تسوية جدية ومتوازنة، وترفض الإقرار بسلطة الأمر الواقع الاحتلالية.
كما ترتدي هذه المواقف أهمية خاصة من حيث التوقيت، إذ إنها تصدر قبل وقت قصير نسبياً من الموعد المزمع لإعلان ما يسمى ب«صفقة القرن». وهي صفقة تسلب من الشعب الرازح تحت الاحتلال السيادة على وطنه، وتسعى إلى إغلاق الباب أمام انتهاء الاحتلال العسكري والاستيطاني بل تعمل على شرعنته، وبما يشمل غور الأردن والبحر الميت من الجهة الفلسطينية (الجهة المقابلة لهذا البحر تقع في الأردن). وهو ما يوفر فرصة لسحب البساط من تحت هذه الصفقة التي سبق أن أعلن عرابها جيسون جرينبلات أنها لا تعتمد على قرارات الأمم المتحدة ولا تحتكم إلى القانون الدولي.
وفي خطوة تتعدى بيانات الشجب والاستنكار طالب برلمانيون بريطانيون حكومة بلادهم برد قوي على إعلان نتنياهو. ودعا 108 أعضاء من عدد من الأحزاب السياسية، إلى أن يكون هناك أكثر من مجرد كلمات استنكار في رد بريطانيا وأوروبا على الوعد الذي أطلقه نتنياهو.
وذكرت الرسالة يجب أن يكون رد فعل المجتمع الدولي رادعاً للأعمال التي من شأنها أن تحطم حل الدولتين المتفق عليه دولياً لحل هذا الصراع. وحذرت الرسالة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من أن «السماح بأي ضم سيؤدي إلى تقويض مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي من خلال الحرب».
أجل هو كذلك. فلا بد أن يكون رد الفعل الدولي رادعاً للمطامع التوسعية، وأن لا يتوقف عند ردود الفعل المبدئية كما يبيّن البرلمانيون البريطانيون. ويسترعي الانتباه أن نتنياهو تحدث في مقابلة صحفية بأنه أحاط الإدارة الأمريكية بتوجهاته هذه، ولم يلحظ أي اعتراض من جانب المسؤولين فيها. وهو ما حمله على القول إنه يفكر ببسط السيادة على جميع المستوطنات. ولطالما وقفت واشنطن إلى جانب الاحتلال سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً واقتصادياً، لكن ذلك لم يُشرعن الواقع الاحتلالي في أنظار دول العالم أجمع، ومن الأهمية بمكان أن يتواصل الاتحاد الدولي لإحباط شرعنة الاحتلال عبر أية صفقة كانت، فمصير الشعوب لا تقرره صفقات تبرم في الخفاء وبالضد من كل المواثيق.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"