العمولة . . حلال أم حرام؟

02:57 صباحا
قراءة 3 دقائق
ليس باستطاعة كل إنسان أن ينجز ما يريد، أو أن يهتدي إلى ما يريد، ما لم يستعن بغيره من أهل السوق أو من أهل الصنعة أو من أهل البلد .
نعم . . وليس كل الناس يخدمون من أجل الأجر والمثوبة عند الله تعالى، فمن الناس من يريد أن ينال أجرته في الدنيا قبل الآخرة، وربما كان هو في حاجة ضرورية، وعندئذ إذا دلّ أحداً إلى مبتغاه، أو قام بإرشاده إلى حيث يريد، انتظر منه أن يكرمه .
هذا المبلغ الذي يطلبه هذا الشخص، هو ما يسمى بعرف اليوم "العمولة" والتي يأخذها من الشخص مقابل خدمته له .
وفي الشريعة الإسلامية يمكن أن تسمى مثل هذه العمولة بالجعالة التي عرّفها الفقهاء بقولهم: "هي عقد على منفعة يُظن حصولها، كمن يلتزم بجُعل معين لمن يرد عليه متاعه الضائع، أو دابته الشاردة، أو يبني له هذا الحائط، أو يحفر له هذه البئر حتى يصل إلى الماء، أو يُحفظ ابنه القرآن الكريم، أو يعالج المريض حتى يبرأ، أو يفوز في مسابقة كذا" وهكذا .
والأصل في مشروعية العمولة أو الجعالة قول الله تعالى: " . . ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم" (الآية رقم 72 من سورة يوسف) .
ولم يُجز بعض الفقهاء كابن حزم الجُعالة لما فيها من الجهالة، إذ قد يكون العمل مجهولاً، لكن الجمهور أجازوها للضرورة .
أما ابن حزم فقال: "لا يجوز الحكم بالجعل على أحد، فمن قال لآخر'' إن جئتني بعبدي الآبق فلك علي دينار، أو قال: إن فعلت كذا وكذا فلك درهم، أو ما أشبه ذلك، فجاءه بذلك، أو هتف وأشهد على نفسه: من جاءني بكذا فله كذا فجاء به، لم يقض عليه بشيء، ويُستحب لو وفّى بوعده، وكذلك من جاء بآبق فلا يقضى له بشيء .
إلا أن يستأجره على طلبه مرة معروفة، أو ليأتيه به من مكان كذا معروف، فيجب له عندئذ ما استأجره به" .
أقول: وللجمهور حجتهم، حيث إن الجعالة عقد من العقود الجائزة، إلا أنه لا يُشترط فيه حضور المتعاقدين كغيره من العقود، والله تعالى يقول: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود . ." (الآية رقم 1 من سورة المائدة) .
واستشهدوا أيضاً بحديث اللديغ الذي رقي على قطيع من الغنم، والحديث هو: "عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتوا على حي من أحياء العرب فلم يقروهم (يضيفوهم)، فبينما هم كذلك إذ لُدِغَ سَيدُ أولئك، فقالوا: هل معكم من دواء أو راق؟ فقالوا: إنكم لم تقرونا (تضيفونا)، ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جُعلاً فجعلوا لهم قطيعاً من الشاء، فجعل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل، فبرأ فأتوا بالشاء، فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه فضحك وقال: وما أدراك أنها رقية؟ خذوها واضربوا لي بسهم" (رواه البخاري ومسلم) .
إذاً هذا الحديث دال أيضاً على جواز أخذ الجعالة التي تعرف اليوم باسم العمولة، مع الأخذ في الاعتبار أنه لو قدم خدمته لوجه الله تعالى من غير أن يأخذ شيئاً، لكان ذلك أبرك وأحوط، لأن العمل إذا تحول كله إلى الماديات، دخلته الشبهات وربما الحرام أيضاً .

د . عارف الشيخ
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"