قمة العجز الأوروبي

05:05 صباحا
قراءة 3 دقائق

يبدو أن الاتحاد الأوروبي يعشق مؤتمرات القمة . وما علينا إلا أن ننظر إلى الطريقة التي يتفاعل بها حين يقرر الطرف الآخر ألا يظهر (على سبيل المثال رد الاتحاد الأوروبي على القرار الذي اتخذه الرئيس باراك أوباما بعدم حضور مؤتمر القمة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في مدريد) . إذا كان الاتحاد الأوروبي راغباً في أن يأخذه الآخرون على محمل الجد فلا بد وأن يتعلم أن التحدث عن وضع الأمور في نصابها الصحيح ليس بديلاً للقيام بالتحركات السليمة .

وسوف نجد أن الشأن الباكستاني يُعد المجال السياسي الأكثر تدليلاً على ميل الاتحاد الأوروبي إلى الكلام وليس العمل الفعلي . من المقرر أن تنعقد قمة الاتحاد الأوروبي وباكستان في العاشر من إبريل/نيسان، وهي بمثابة متابعة لأعمال أول اجتماع تم بين الطرفين في الخريف الماضي . ولكن من الصعب للغاية أن نعرف أي شيء عن الحدث، وذلك لأن لا أحد يرغب في تولي زمام الأمر: ليس هيرمان فان رومبوي الرئيس الدائم الجديد للمجلس الأوروبي؛ ولا كاثرين أشتون رئيسة السياسة الخارجية الجديدة لدى الاتحاد الأوروبي؛ وليس حتى رئيس الوزراء الأسباني خوسيه لويس ثاباتيرو، الذي دفع بأسبانيا إلى خشبة المسرح في العديد من المجالات الأخرى .

والسبب بسيط: فالاتحاد الأوروبي ليس لديه أي جديد يقوله أو يقدمه . وباكستان في حاجة ماسة إلى الخبرات التي يتباهى بها الاتحاد الأوروبي في مجال تدريب عناصر الشرطة . ولكن أي انتشار للمدربين سوف يُنظَر إليه باعتباره مجازفة خطيرة وباهظة التكاليف وليس من المرجح أن تصادق النجاح . وبدلاً من ذلك فإن البلدان الأعضاء سوف تباشر هذا الأمر فُرادى، بما لديها من مشاريع المساعدة الهزيلة .

وخلافاً لمشرف فإن زردارى لا يستطيع أن يعول على الدعم من الجيش، والذي يُعَد حتى الآن أقوى مؤسسات الدولة في باكستان . ولقد رد الجيش بشراسة على محاولات الحد من سلطاته وكبح جماح أنشطة أجهزته الاستخباراتية . ويقال إن منافس زرداري الرئيسي، نواز شريف، يخطط الآن لعودة سياسية بعد أن استشعر ضعف خصمه .

ربما يكون لدينا ثلاثة أسباب . الأول أن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى التركيز على باكستان لأن المتطرفين في باكستان يركزون على الاتحاد الأوروبي . ففي تقييمه الاستخباراتي لعام 2009 (تحت عنوان تقرير عن حالة الإرهاب وميوله) انتهى اليوروبول (البوليس الأوروبي) إلى أن باكستان قد حلت محل العراق باعتبارها المقصد المفضل للمتطوعين الراغبين في الانخراط في الصراع المسلح . ولقد أكد أحد كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي مفسراً لهذا الميل قائلاً: لقد شهدنا في الماضي القريب العديد من الحالات حيث يذهب الباكستانيون إلى أوروبا أو يذهب شباب من مواطني الاتحاد الأوروبي إلى باكستان للتدريب وغسل الدماغ .

والسبب الثالث هو أن الولايات المتحدة من غير المرجح أن تتمكن من تحقيق أهدافها بمفردها، على الرغم من مساعداتها وجهودها . لقد وضعت الولايات المتحدة باكستان ضمن أهم حلفائها في الحرب الباردة . ونتيجة لهذا فقد تغاضت الولايات المتحدة عن العديد من الجوانب البغيضة للسلوك الباكستاني، في حين كانت المؤسسة العسكرية والاستخباراتية الباكستانية تحصل على قدر سخي من الدعم من جانب الولايات المتحدة .

ولقد ساعد هذا في تغذية نوعين من المشاعر المعادية للولايات المتحدة . فالمواطنون الباكستانيون العاديون يكرهون الولايات المتحدة لأنهم يعتقدون أن أمريكا دعمت سنوات من القمع والحكم العسكري، في حين يشعر أهل النخبة في باكستان بالقلق والانزعاج إزاء كل ما قد يقوض المكانة التي أصبحوا يتمتعون بها . وهذا يعني أن الولايات المتحدة لن يُنظَر إليها أبداً بوصفها شريكاً بناءً في تنمية باكستان . وهذا من شأنه أن يترك الباب مفتوحاً أمام الاتحاد الأوروبي، الذي يُنظَر إليه باعتباره مناصراً ثابتاً للديمقراطية .

هناك العديد من الأسباب التي قد تجعلنا نتعامل بحذر مع تصعيد الاتحاد الأوروبي لمشاركته في باكستان، ولكن السياسة الخارجية لا تتعامل مع المشاكل السهلة؛ بل إنها تدور حول معالجة القضايا الصعبة التي تؤثر على حياة الناس .

* كبير زملاء السياسات لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، والمقال ينشر بترتيب مع بروجيكت سنديكيت.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"