العلاقات المصرية الخليجية

02:52 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.مصطفى الفقي

تضرب العلاقات المصرية - الخليجية بجذورها في أعماق التاريخ السحيق منذ أن تحدث المصريون عن بر مصر وبر الحجاز وبر الشام، في إشارة إلى منطقتي الجزيرة العربية بما فيها دول الخليج، والإشارة الأخرى إلى الشام الكبير حين كان امتداداً أرضياً لمصر قبل ظهور «إسرائيل» أو حتى حفر قناة السويس. ولقد حرصت مصر دائماً على الارتباط بدول الخليج انطلاقاً من هوى المصريين تجاه البقاع المقدسة في الجزيرة العربية، كما حرصت مصر على دعم أشقائها في تلك المنطقة القريبة منها، وذلك قبل ظهور النفط وتحسن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لسكان الجزيرة والخليج، وخرجت قوافل التعليم والثقافة والصحة والبناء والإعمار من مصر إلى شقيقاتها في تلك المنطقة، وتواكب ذلك مع ظهور الثروة النفطية. وعلى الجانب الآخر لم يبخل الخليجيون على مصر في أزماتها الاقتصادية ولا حروبها العسكرية أو ظروفها الصعبة، كما ارتبط الأمن القومي المصري بالأمن القومي لدول الخليج، وتجلى ذلك في مواقف كثيرة لعل آخرها حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت بعد غزو صدام حسين لها. وقد التزمت مصر دائماً بعلاقات شريفة مع تلك الدول إدراكاً لأهميتها وحرصاً عليها وأن تكون في حيازة ثقتها فذهبت إلى التشاور المستمر معها منذ عدة عقود.

وعندما أطل عبد الناصر على المنطقة تحمس له الخليجيون حتى إن الأمراء من أبناء الملك عبد العزيز الكبير قد تطوعوا للقتال في حرب عام 1956 وكان ذلك إبان العدوان الثلاثي الغادر على مصر وقبل أن تحدث القطيعة وتجري محاولة تقسيم العالم العربي حينذاك إلى دول تقدمية وأخرى تقليدية.
ولقد كانت إذاعة صوت العرب هي الناطق الرسمي باسم الثورة سواء في جنوب الجزيرة أو في مناطق ساحل الخليج قبل أن تأخذ دوله شكل الكيانات السياسية الرسمية وتصبح دولًا معترفًا بها وذات تأثير في الحياة السياسية الإقليمية والدولية، ولا أزعم أن العلاقات المصرية -الخليجية كانت دائماً سخاءً رخاءً، ولكنني أعترف بأنها تعرضت لمطبات عدة في مراحل مختلفة إما لتبني القاهرة لسياسات لم توافق عليها دول الخليج ولعل أبرزها ما جرى بعد أن وقع الرئيس المصري الراحل أنور السادات على اتفاقيات كامب ديفيد ، كما تعرضت العلاقات لأزمات طارئة لعل أشدها وطأة هي تداعيات الموقف القطري من مصر في العقدين الأخيرين وهو ما أدى إلى أضرار جسيمة لا بالشعب المصري وحده ولكن بشعوب الجزيرة والخليج أيضًا فضلًا عن الوطن العربي كله.

ولعلي أسجل هنا ملاحظات ثلاثاً:
*الأولى: أن الثروة النفطية كانت نعمة ونقمة في ذات الوقت ،فقد استفاد منها العرب -بغير استثناء- كما أن المصريين قد استفادوا منها أيضاً من خلال عشرات الألوف منهم الذين عادوا إلى بلدهم بعد سنوات من العمل في دول الخليج، وعلى الجانب الآخر فإن المظهر السلبي يتمثل في التفاوت الذي أحدثته الثروة بين دول الخليج وغيرها من الدول العربية وهو ما أدى إلى أزمة ثقة متبادلة لم تكن معروفة من قبل.
*الثانية: لقد أدى ظهور الثروة النفطية وتشابه الاقتصادات الخليجية بالإضافة إلى التداخل القبلي والعشائري إلى قيام مجلس التعاون الخليجي في مطلع ثمانينات القرن الماضي لكي يكون أكثر التجمعات العربية نجاحاً واستقراراً حتى إنه كان مضرب الأمثال -قبل الأزمة الأخيرة مع قطر- بسبب تجانس أعضائه وتماسك قياداته، ولكن اللافت للنظر أن النتيجة كانت هي اختزال الأمن القومي العربي في أمن الخليج بالدرجة الأولى، ولأن مصر تعتبر نفسها ظهيراً تلقائياً لتلك المنطقة فإنها أدركت مبكراً أهمية العلاقات بينها وبين دول مجلس التعاون الخليجي لعلمها أن في ذلك نفعاً متبادلاً ومصلحة مشتركة.
*الثالثة: إن دول الخليج العربي قد تصورت أحياناً بوجود اختلاف بين ثقافة النهر (Cult of river) وثقافة الصحراء (Cult of desert) فظهرت بعض الحساسيات لا تجاه مصر وحدها ولكن تجاه دول أخرى مثل العراق ودول الشام، فضلًا عن الشعور العربي المشترك بمخاطر المد الفارسي في منطقة الخليج والعراق وسوريا ولبنان بل واستهداف دول عربية أخرى في صراع قومي تاريخي هو امتداد للمواجهة بين الفرس والعرب منذ القرن الأول الهجري وربما قبله أيضا.
أريد أن أقول إن العلاقات المصرية -الخليجية علاقات شديدة الحساسية سريعة التأثر تحتاج إلى درجة عالية من الحرص عليها والحفاظ على متانتها برغم كل الظروف والتقلبات والأزمات. والأمر في النهاية يحتاج إلى درجة عالية من الحرص واليقظة ورغبة مشتركة في علاقات مستمرة ومستقرة تستطيع أن تواجه التحديات وأن تتغلب على العقبات وأن تصب في خانة المصلحة العربية العليا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي وباحث وأديب ومفكر ومؤرخ وكاتب، يمتلك خبرة واسعة في المجالات السياسية والثقافية ألَّف 36 كتابًا تسلط الضوء على بعض القضايا مثل الإصلاح السياسي والفكري القضاء على كل أشكال التمييز ضد الأقليات، والوحدة العربية والتضامن

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"