عصر الحروب القاتمة

03:13 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

ربما تكون وزيرة الدفاع البريطانية، بيني موردنت، أصابت في وضع مفهوم جديد يفسر إلى حد ما الالتباس، والغموض اللذين يشوبان العلاقات الدولية، عندما أشارت إلى أن العالم تجاوز مرحلة الحروب «الساخنة والباردة»، ودخل في عصر «الحروب القاتمة التي تدور رحاها في الظلام». ويبدو أن الاستنتاج في محله، بدليل غياب الفواصل والحدود بين الحلفاء والأعداء، والحروب الخفية والصريحة، والتهديدات الفعلية والمزيفة.
في كثير من الأحيان يكون الرأي العام العالمي مشدوداً إلى نقطة توتر معينة، ويذهب الظن أن الانفجار قادم لا محالة، والحرب واقعة، ومدمرة، ولكن سرعان ما يتبدد الخوف بمفاجآت معاكسة. والمثال على ذلك، ما حصل، ويحصل بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، فقد انقلبت المعادلة رأساً على عقب من تبادل التهديد بتدمير كل منهما الآخر، إلى تبادل رسائل الصداقة، وعقد القمم بين الرئيسين دونالد ترامب، وكيم جونج أون. ويتكرر السيناريو نفسه في أكثر من موضع، حيث تخيم القتامة على المشهد بصورة تجعل من الصعب معرفة اتجاه الأمور، ونتائجها. وبين الحديث عن التحضير لحرب وعدم الرغبة فيها، تسود الحيرة والذهول، ولكن يمكن للمتمهل أن يتجنب المؤشرات الظاهرة، والتصريحات النارية، ليسبر أغوار ما يدور في العمق ليتمكن من تحقيق بعض الإجابات غير القطعية.
وزيرة الدفاع البريطانية ذكرت أن أكبر تهديد يواجه جيش بلادها «ليس روسيا، أو «داعش»، بل هو على الأرجح فكرنا السياسي»، ويترجم هذا القول المخاوف من إرهاصات تغيرات غير واضحة ومفهومة، يرتبط بعضها بصعود أصوات اليمين المتطرف في الغرب، وزيادة مظاهر تقوقع بعض الدول على نفسها. ويضرب كثيرون المثل بسياسة واشنطن الحالية تحت إدارة ترامب. كما يشيرون إلى قوة الصين الزاحفة، وهي إن كانت تملك مقومات اقتصادية وعسكرية جبارة، فإنها تحمل أيضاً منظومة قيم سياسية مختلفة، يمكن أن يكون لها تأثير كبير في الواقع العالمي، إذا تمكنت يوماً من الهيمنة، وأزاحت السيطرة الغربية. تضاف إلى ذلك روسيا التي تبني بهدوء نفوذاً جديداً تسحب بواسطته دولاً عدة من تحت سيطرة الولايات المتحدة، ضمن صراع مستمر، ومتعدد الحلقات، ولكنه صراع يدور بعيداً في الظلام، وهو ما يفسر ما يلاحظ من انقلابات في العلاقات، والمواقف، والحذر الزائد عن اللزوم إزاء بعض القضايا، والأزمات.
الحروب القاتمة الدائرة في هذا العالم أمر لا خلاف عليه، ولكنها حروب أخطر مما سبقها، وإذا استفحلت مثل «الداء العضال» فلن تنتهي على خير، إذ يمكن أن تصبح فجأة مباشرة، وتكون أشد فتكاً وتدميراً، أكثر مما هو متوقع. ولذلك لا يمكن الاطمئنان إلى وضع كهذا، لأنه مبني على الغموض، والمخاتلة، والانتهازية، وهي قيم لا يمكن التعايش معها، ولكن يبدو أنه قضاء ستضطر البشرية إلى مجاراته إلى مدى غير معروف، حتى يحصل تغيير ما، ويعود صناع القرار الدولي إلى الرشد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"