لا تسهموا في التدمير

23:30 مساء
قراءة 3 دقائق
محمد عبد الله البريكي

لماذا تسهم بعض مؤسساتنا في تدمير إرث عربي قديم متجذر في وجدان الأمة؟ وهو الذي صنع لها تاريخاً ووثق أحداثه، ولا يزال ملجأ للإنسان إن شعر بالكآبة، وإن أراد إقامة فرح عزف على أوتاره، وإن دهمت الهمم الخطوب أشعل فيها الحماس، وجعلها سهماً يخترق صدور الأعداء.

إن إقامة بعض الفعاليات واستضافة البعض فيها وتلميعهم بطريقة لافتة وهم لا يقدرون هذا التاريخ، بل ويهاجمونه بشدة ويحاولون أن يجردوه من هويته ونسبه، ما هو إلا مشاركة في هذا الهدم، وإن كان السبب وراء هذا العمل سوء في الإدارة والتخطيط مستثنين النية المبيتة والتعمد في هذا الفعل، فإن هذا السوء مصيبة لا تعفي أصحابها من التوقف ولو لفترة لمراجعة ما يقدمونه من فعاليات تسهم بشكل مباشر في ضرب خلايا الذائقة العربية وصرفها عن الجمال، وربما هو أشد تأثيراً من معرفة القائمين بأن هذه الفعاليات مدمرة ومستهدفة للشعر العربي، وهو ما يوضحه بيت الشعر الذي أصبح مثلاً يضرب على كل شخص لا يعرف الحكم ويقول:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ

وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ

هذه الفعاليات التي تقدمها بعض مؤسساتنا والتي من المفترض أن تحافظ على هوية شعرنا ولغتنا ما هي إلا بداية لسلسلة من الأزمات التي يعانيها هذا التاريخ، فهي فاتحة لبعض الذين ينقلون الحدث دون وعي ودراية، أو لا يستثنى من بعضهم الافتخار والزهو بها لأنها تناسب ما يقدمه ذلك الناقل من معرفة هزيلة بهذا الأدب، أو بعدم مقدرته على كتابته، وبالتالي يتخذ منه موقفاً عدائياً، أو يحاول بشتى الطرق أن يلمع هذا الهذيان ليجعله متصدراً المشهد، وليكون هو في يومٍ من الأيام أحد المنتمين إليه بعد أن سُلط الضوء عليه، ليصبح ملمعاً في كثير من المطبوعات والمواقع الإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي المتوفرة لدى الجميع.
أمسيات شخصية تقام للبعض وهم لا يحملون في سيرهم الأدبية أي دهشة أو تاريخ مؤثر، ويحضرها بعض الجمهور الذين ينخدعون بإعلان تلك المؤسسة من باب الثقة فيها، ثم يخرجون وهم يتأسفون على تلك الساعة التي ضيعوها في سماع ما لا يغني ولا يسمن من جوع، وإذا ما دار حوار في أروقة تلك المؤسسة حول تلك التجربة، فإن أصحاب القرار يدافعون عن الضيف دفاعاً مستميتاً، ولا ننكر أنها عادة عربية في الدفاع عن الضيف ضد أي إحراج، لكن الحرج لا يمس الضيف فقط، بل يمتد ليطال المستضيف ومؤسسته وفعالياتها، ويمس اللغة والشعر والذائقة.
لا أقول هذا الكلام من باب التقصد أو إنني ضد أي عمل أدبي، لكني حضرت مؤخراً أمسية يفترض أنها شعرية، ولم أجد فيها ما ينتمي إلى الشعر، وقد تم تلميع الضيف بطريقة عجيبة، وهذا الضيف بين بساطته فيما سيقدم أمام مرأى من منظم الفعالية، ليقوم البعض بعد ذلك بالكتابة عن تلك التجربة ووصفها بأنها مهمة، والغريب هو تهجم هذا الضيف على الشعر في لقاء أجري معه واصفاً القصيدة العمودية بأنها ليست شعراً، وإنما تصلح للتمرين على الكتابة.
في الحقيقة أنا أقدر العمل الإبداعي أياً كان شكله، لكني مع من ينسب العمل إلى جنسه الأدبي احتراماً له ولهويته، وتقديراً لمكانه ومكانته، فحين يتم وضعه في جنسه ومكانه، سيجد من يحافظ عليه ويقيّم تجربته، أما محاولة إقحامه في جنس أدبي آخر لا يتوافق معه، فهو تضليل وتشتيت للجنسين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"