العقوبات وخسائر أخرى

04:34 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاصم عبد الخالق

الآثار المدمرة للعقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني مؤكدة، ولكنها ليست النتيجة الوحيدة للقرار الأمريكي. الخلافات السياسية التي فجرتها العقوبات بين الولايات المتحدة من جانب، وخصومها الروس والصينيين وحلفائها الأوروبيين من جانب آخر نتيجة مهمة أيضاً يجب أن تؤخذ في الاعتبار.
أصر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على فرض العقوبات على إيران رغم معارضة هذه الأطراف، وهو نفس ما فعله عندما تجاهل معارضتها لإلغاء الاتفاق النووي في مايو/أيار الماضي. ولذلك لن تكون معركته المقبلة مع طهران وحدها بل مع الشركاء والخصوم دفعة واحدة. تأتي هذه المواجهة في وقت تخوض فيه إدارته بالفعل مواجهات سياسية وتجارية مفتوحة مع هذه الأطراف جميعاً، أي الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين لأسباب مختلفة.
ربما لا يكون الخلاف مع الدولتين الأخيرتين مثيراً للإزعاج أو القلق في واشنطن باعتبارهما من الدول المنافسة وليست الحليفة وهو تصنيف تقرره وثائق الأمن القومي الأمريكية. وتعلم واشنطن تماماً أن الدولتين لن تلتزما بأي عقوبات تفرضها على إيران بل ستستثمران انسحاب الشركات الغربية لتحقيق المزيد من المكاسب. وفضلاً عن ذلك فللدولتين ثأر مع أمريكا، وستريان في العقوبات فرصة للقصاص.
في حالة روسيا هناك رغبة في الانتقام بسبب العقوبات التي فرضتها عليها واشنطن منذ أزمة أوكرانيا ثم بسبب مزاعم تدخلها في الانتخابات الأمريكية، وأخيراً اتهامها بمحاولة اغتيال جاسوس روسي سابق في لندن، فضلاً عن الخلاف حول سوريا. أما الصين فالمعركة مع واشنطن مفتوحة سواء بسبب الرسوم الجمركية أو التوتر حول كوريا الشمالية، والوجود العسكري في بحر الصين الجنوبي.
لا تبدي واشنطن قلقاً أو اهتماماً يذكر برد هذين المنافسين، وهو في كل الأحوال متوقع وغير ودي. ما يثير اهتمام صانع القرار الأمريكي هو تأثير العقوبات الجديدة على العلاقات الآخذة في التدهور السريع وغير المسبوق مع الشركاء الأوروبيين.
الاتحاد الأوروبي عارض بقوة العقوبات الجديدة بل قرر إحياء قانون قديم يعود إلى عام 1996 يوفر الحماية القانونية للشركات الأوروبية بحيث لا تذعن للعقوبات الأمريكية. وكما هو معروف أيضاً فإن الخلاف بين الحليفين والذي يتفاقم منذ انتخاب ترامب يتجاوز الملف الإيراني ويشمل قضايا أخرى مهمة منها الهجرة، وتمويل حلف الناتو وسياسته الدفاعية، والعلاقات الأوروبية مع روسيا، وفوق كل ذلك التعريفات الجمركية المتبادلة التي تهدد بإشعال حرب تجارية حقيقية على جانبي الأطلسي.
لم يحدث أن كانت العلاقات بين الحليفين على هذا النحو من التدهور والتوتر منذ تشاركا في إقامة النظام العالمي الحالي بزعامة الولايات المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية. وتأتي أزمة العقوبات لتزيد الموقف تأزماً. تواجه أوروبا خيارين أحلاهما مر، فإما أن تذعن للقرار الأمريكي بكل ما تمثله تلك الهزيمة من إهانة لكبريائها القومية، أو تواصل التقدم في الطريق الذي بدأته بتحدي العقوبات مهما كانت النتائج.
المأزق الأكبر هنا أنه ليس بوسع أوروبا أن تسلك أياً من الطريقين حتى النهاية. فالخضوع المذل لا يبدو القرار الحكيم، وتحدي أمريكا بخرق العقوبات لن يتحقق من الناحية العملية لأنه ليس بمقدور الحكومات الأوروبية إرغام شركاتها الكبرى على الاستمرار في العمل مع إيران. وبالفعل فقد بدأ بعض هذه الشركات في الانسحاب من السوق الإيرانية.
وعلى حد تعبير جاكوب فولك الباحث في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن فإن فكرة إجبار الشركات على الاستمرار في إيران غير مطروحة من الأساس حتى بعد تفعيل ما يسمى بقانون الإعاقة الذي يحمي تلك الشركات. أقصى ما تستطيعه أوروبا هو تشجيع شركاتها الصغيرة والمتوسطة على العمل في إيران لعدم وجود استثمارات لها في السوق الأمريكية.
خلاصة ما يمكن رصده في هذه المرحلة هو أن خسائر العقوبات الأمريكية لن تقتصر على إيران فقط ولن تكون اقتصادية فحسب، العلاقات السياسية أيضاً تتضرر حتى ولو لم يكن من المتاح ترجمة ذلك إلى أرقام.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"