إدلب... لماذا التأجيل؟

03:03 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد نور الدين

القمة التي انعقدت في 15 فبراير/شباط 2019 في سوتشي، بين رؤساء روسيا فلاديمير بوتين، وإيران حسن روحاني، وتركيا رجب طيب أردوغان، لم تخرج بأي قرارات جديدة وجديّة سوى أنها أجّلت تقرير مصير منطقة إدلب.
والمعروف أن منع انفجار الوضع العسكري هناك، جاء في 17 سبتمبر/أيلول 2018 عندما اتفق بوتين وأردوغان على سحب المسلّحين المتطرفين والأسلحة الثقيلة وإقامة منطقة منزوعة من السلاح الثقيل والمسلّحين بين مناطق وجود المعارضة المسلحة ومناطق وجود الجيش السوري، وأعطيت مهلة شهر لتنفيذ ذلك. وبعد ذلك التقى بوتين وأردوغان، وقررا تمديد المهلة حوالي الشهرين ومن ثم تمديدها حتى شهر فبراير/شباط 2019. الآن قررت قمة سوتشي الأخيرة، حماية الوضع الحالي في إدلب، حتى إبريل/نيسان المقبل. وبذلك سيكون مضى حينها أكثر من سبعة أشهر دون تنفيذ اتفاق إدلب.
يتعامل الرئيس التركي مع الوضع في إدلب، على وقع التطورات الميدانية والسياسة المستجدة:
1- التطور الأبرز كان إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل شهرين، عزمه على سحب قواته من سوريا من دون تحديد مهلة زمنية واضحة. ما يصدر عن المسؤولين الأمريكيين كان مائعاً ومطاطاً. تارة بحلول شهر إبريل/نيسان، وتارة بعد القضاء على «داعش»، وتارة بعد الحصول على ضمانات بعدم التعرض للأكراد. يعرف الجميع أن تركيا لا تستطيع التدخل العسكري في شمال شرق الفرات من دون موافقة أمريكا. لذلك يراهن أردوغان على إمكانية هذا التدخل حالما ينسحب الأمريكيون. وإلى حين تحقيق الانسحاب الأمريكي الكامل؛ فإن أردوغان يحاول أن يتجنب أي تغيير في الوضع في إدلب، ينعكس سلباً عليه قبل اتضاح مسألة الانسحاب الأمريكي من عدمه.
2- في جميع المعارك السابقة بين الجيش السوري ومسلحي تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرهما من التنظيمات، كانت الاتفاقات التي يتم التوصل إليها وعرفت بالمصالحات هو أن من لا يريد من المسلحين الدخول في المصالحات يُرحَّل إلى منطقة إدلب. وعلى امتداد السنتين الأخيرتين وصل إلى إدلب عشرات آلاف المسلحين. والمهم في هذه النقطة أن تركيا كانت موافقة على استقبال هؤلاء المسلحين و«حشرهم» في تلك المنطقة. والتساؤل طبيعي هو: لماذا تستقبل تركيا هؤلاء؟ ولماذا لا تخشى وجودهم خصوصاً أنها تصنف كلاًّ من «داعش» و «النصرة»، منظمتين إرهابيتين؟.
الإجابة بسيطة وواضحة ولا تحتاج إلى كثير من التفكير. تركيا احتضنت التنظيمات الإرهابية على امتداد الحرب السورية، ولا تزال تحتاج إليهم كورقة تهديد أو كورقة ابتزاز أو كورقة تستخدم عند الحاجة القتالية في إدلب أو خارج إدلب، خصوصاً أن الحرب لم تنتهِ بعد. ولذلك هي ترفض أي محاولة من جانب المحور المضاد للقيام بعملية عسكرية تقضي عليهم، فتخسر أنقرة إحدى أهم أوراقها هناك.
3- يرفض أردوغان الخيار العسكري ضد إدلب، قبل حصول الانتخابات البلدية في تركيا في 31 مارس/آذار المقبل. ذلك أن أي عملية عسكرية ولو جزئية بموافقته أو من دون موافقته، ستعدّ تراجعاً من قبله وتشويشاً لصورته أمام قاعدته الإسلامية التي لا تنظر إلى «داعش» و «النصرة»، على أنهما إرهابيتين. هذا لا يعني أنه سيوافق على مثل هذه العملية بعد انتهاء الانتخابات البلدية. كما لا يعني أنه لن يقوم هو، وليس المحور المضاد، بعملية عسكرية ولو جزئية أو موضعية أو محدودة في مناطق يوجد فيها الأكراد تحديداً، في شمال شرق الفرات أو في سنجار في العراق أو في مكان آخر. فأردوغان تعوّد على شدّ العصب القومي، عشية كل انتخابات رئاسية أو نيابية أو بلدية أو استفتاء على قضية ما.
لا انسحاب الجنود الأمريكيين سيريح أردوغان ولا بقاؤهم، فتطلعات أردوغان تتجاوز العمل على الاستقرار وإيجاد حل نهائي للأزمة السورية. فالبحث عن دور عثماني متجدد في الشرق الأوسط، وطامع في أراضي شمال سوريا، التي كانت ضمن حدود «الميثاق الملّي» لعام 1920، والجود الكردي في كل المنطقة، لا يزال يدفع أردوغان للتسويف والمماطلة والمراوغة ما دامت الظروف تتيح له ذلك.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"