المشهد الثقافي العربي ومراجعة تخطيطه

05:56 صباحا
قراءة 3 دقائق

تعكف المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة أليكسو على مراجعة جديدة للخطة الشاملة للثقافة العربية التي مر على وضعها حوالي ربع قرن. ولعل أهم مدخل للمراجعة هذه هو طرح السؤالين المحوريين التاليين:

أما السؤال الأول فيتعلق بمقدار ما تحقق من توصيات عملية وتوجهات وحدوية تحررية حداثية حوتها الخطة المقرّة في عام ،1985 والجواب مع الأسف هو أن القليل قد نفذ. ذلك أن المسؤولين السياسيين في بلاد العرب، الذين أخفقوا في تنفيذ كل الخطط القومية المشتركة، بما فيها الخطط المحورية المتعلقة بمجالات الأمن والاقتصاد والسياسة والتربية والعلوم والتكنولوجيا، لا يمكن إلا أن يمارسوا العادة إياها، عادة إهمال القرارات التي يوافقون عليها في اجتماعات المؤسسات القومية المشتركة. ووزراء التربية والثقافة العرب الذين أقروا الخطة ثم تناسوها إنما يتبعون خطى الآخرين في كل المؤسسات، بدءاً بجامعة العرب الشهيرة والتي تواجه الاحتضار وانتهاء بأصغر مؤسسة. ولا يحتاج الإنسان لكي يعرف مدى الحرص على تطبيق الخطة الأولى إلا أن يفاجأ بأن إدارة الثقافة في المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة المطلوب منها متابعة الخطة في اثنتين وعشرين دولة عربية تتكون من موظف يتيم واحد بما يشهد على الازدراء والتهميش لموضوع الخطة الثقافية بكامله.

أما السؤال الثاني فهو مدى تغير المشهد الثقافي العربي خلال تلك المدة تغيراً عميقاً وواسعاً بحيث يستدعي مراجعة شاملة لتلك الخطة. والجواب هو أن تحولات كبرى قد حدثت لأسباب عربية ذاتية داخلية ولأسباب عالمية. فالعولمة بوجهها الرأسمالي المتوحش تدق الأبواب بعنف لتفرض الثقافة الإعلانية الاستهلاكية ولتقدمها في شكل جرعات اختزالية لكل ما يمس حياة الإنسان من جوانب مادية ومعنوية. والماكنة العلمية التكنولوجية التي تحرك العولمة نقلت مجموعات كبيرة من العرب إلى عصر المعلومات والمعرفة وفتحت لهم نوافذ واسعة على كل الثقافات. ومن خلال الفضائيات أصبح العربي مشاهداً يعيش أحداث العالم ونبضه. وستستمر العولمة في حفر الأخاديد في فضاء الثقافة العربية.

ولا تقل التغيرات الذاتية العربية وتحديها للثقافة العربية عن المشهد العولمي. فالدولة العربية التي تتخلى شيئاً فشيئاً عن كثير من مسؤولياتها، تواجه اليوم أم المحن الثقافية متمثلة في الأخطار المحيطة بوعاء الثقافة، أي اللغة العربية. سر في شوارع ودروب أرض العرب كلها فستجد أن الأعجمية اللغوية هي السائدة في الإعلان والأسماء. تحدث مع طلاب المدارس الخاصة، التي تنتشر كالفطر كسلعة مربحة، وستكتشف الأهوال في استعمالهم للغتهم الأم. حاول أن تتعرف إلى اللغة المستعملة في المؤسسات الاقتصادية الكبرى، من شركات وبنوك ومؤسسات خدمات، فستفاجأ بالتراجع المذهل في استعمال اللغة العربية في المراسلات والفواتير والحسابات وغيرها. ذلك أن الدفاع عن اللغة الأم ليس في جدول أعمال المسؤولين العرب. بل إن أولاد هؤلاء المسؤولين هم أول الراطنين.

ومثلما تتخلى الدولة العربية عن اللغة الأم تتخلى عن الدفاع عن حق حرية التعبير والإبداع وتترك ممارسيها تحت رحمة المتخلفين غير المتسامحين. ومثلما تتخلى عن مواجهة الأمرين السابقين تقف عاجزة عن حل إشكالية التنوع الثقافي في أرض زخرت بالأقليات والطوائف عبر تاريخها كله. وكذا الأمر بالنسبة لعجز الدولة العربية أمام كارثة الأمية وأمام تطوير التعليم وأمام دعم البحوث، أي أمام المنظومة الثقافية كلها.

أمام عجز التنفيذ وأمام أهوال التغيرات الكبرى ستكون عملية مراجعة الخطة الثقافية بحاجة إلى الخلق والإبداع والشجاعة ومواجهة الذات، وما أندر هذه الصفات في أرض العرب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"