التعليم العالي هل سيظل عالياً؟

05:01 صباحا
قراءة 4 دقائق

كان الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله وطيب ثراه، رجل دولة قدير، يعرف سياسة إدارة الممالك معرفة لا تقل عن رجالات الدولة في التاريخ المعاصر . ومن يتتبع مسيرة هذا الرجل المتميز خلال إدارته للمناطق التي تولى أمرها في واحات العين وما جاورها، وما اعترضته من الصعاب والمشكلات الداخلية والخارجية، وكيفية تغلبه عليها طوال عقدين من الزمن (1946-1966)، ثم بعد ذلك إدارته كحاكم لأبوظبي، ورئاسته لدولة الإمارات العربية المتحدة منذ إنشائها عام ،1971 من يتتبع تاريخ هذه الشخصية، يدرك مصداق، ما نذهب إليه من قول .
والحديث المختصر الذي نحن بصدده في هذا المقال، لا يتسع لتناول كل مؤسسات الدولة الحديثة التي كان وراءها الشيخ زايد رحمه الله مهيئاً ومنفذاً، ولكن حديثنا ينصب على مرفق مهم، هو البيت القصيد في بنيان أية دولة حديثة وأي مجتمع حديث، ألا وهو التعليم الجامعي العالي، الذي يُعدّ المجتمع ويخلق الإنسان المدبّر والمدير والمربي ويضع أساس هذا التدبير والإدارة والتربية للأبناء والأحفاد ومن يليهم من الجيل .
وقد كان هذا المرفق، مرفق التعليم العالي وبناء المؤسسة الجامعية في رأس الأولويات التي استجاب لفكرتها الشيخ زايد بن سلطان، وأمر بتنفيذها في بدايات تأسيس الدولة الفتية، وقامت على أقدامها شامخة بعد أربعة أعوام من إنشاء الدولة، دولة الإمارات العربية المتحدة .
وهنا، عندما نمر على ذكرى هذه المرحلة، مرحلة إنشاء دور العلم ودور التكوين التربوي العلمي للفرد الإماراتي، فإنه من الواجب أن نترحم على المؤسس القائد الشيخ زايد بن سلطان، ونستعيد في الوقت نفسه ذكرى أشخاص كانت لهم مساهماتهم التي لا تنسى في مشاركتهم في بناء هذه المنشآت التعليمية الحضارية، ويبرز بين هؤلاء أبو التعليم الجامعي الدكتور عبدالله عمران تريم الذي تولى وزارة التربية والتعليم في التعديل الوزاري بعد انضمام رأس الخيمة إلى الاتحاد في فبراير/ شباط 1972 حيث كان الدكتور عبدالله على رأس فريق العمل الذي أوكل إليه تنفيذ مشروع جامعة الإمارات في مدينة العين واستكمال آلياتها وأجهزتها المختلفة .
وكما تمت الإشارة إليه، فإن جامعة الإمارات التي تأسست وافتتحت عام ،1978 كانت الحصيلة النفعية الأولى في سلك الخدمات الكبيرة التي أوجدها الاتحاد بالدعم المادي والمعنوي من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، وخطت الجامعة خطوات ثابتة ومركزة نحو النمو الأكاديمي والسير الحثيث لتتبوأ المكانة الأولى بين الجامعات العربية بل لكي تصبح إحدى المنارات العلمية في المنطقة يشار إليها بالبنان .
وقد حدثت تغييرات وزارية في العام ،1979 وتوالت من يومها، على شؤون الجامعة إدارات خاضعة لذهنية غير متفتحة أدت إلى التباطؤ والمشي الوئيد، في سير هذا الصرح التعليمي العالي، وتحولت مناهج التعليم من الليبرالية والانفتاحية إلى الأدلجة السياسية والدينية والانغلاقية الفكرية نتيجة تسخير التعليم لاتجاهات أيديولوجية معينة لا تقبل بأي نهج مغاير تتطلبه روح العصر والحداثة وتواكبها، ومن البديهي الفهم أن سيطرة الفكر الأيديولوجي مهما حاول أصحابها تلميعها للناس، فإنها تظل في دائرة مغلقة ويظل المنادون أو المتمسكون بها منغلقين، وتظل أيضاً معلوماتهم العمومية، مفاهيم سطحية بغض النظر عن الألقاب والأوسمة الأكاديمية التي تلتصق بأسمائهم، وكان لا بد من التدخل لإيقاف التراجع إلى الوراء الذي أصاب التعليم بصفة عامة في الإمارات والحيلولة دون الانتكاس الذي أوشك على الحدوث لا محالة .
وبالرغم من توالي وزارات عدة على شؤون التعليم العام لكن المشكلة باتت سائدة لغياب الكفاءة والقدرة على التحكم في المشكلة والقضاء عليها، إلى أن جاء الرجل القدير والمثقف الواعي وصاحب الذهنية المنفتحة، الشيخ نهيان بن مبارك الذي أوكل إليه أمر الاهتمام بالتعليم العالي ورئاسة جامعة الإمارات، وأدرك الناس منذ البداية أن يداً قوية تتصدى لانتشال التعليم العالي من الوحل وإعادة وضعه على
المسار الصحيح، وكانت هذه اليد البناءة، يد الشيخ نهيان
بن مبارك الذي كان لها كفؤاً، وكان الشخص المناسب في المكان المناسب .
ولم يقتصر عمل الشيخ نهيان على إنقاذ التعليم العالي في جامعة الإمارات من التردي، بل يرجع إليه الفضل في إنشاء مؤسسات تعليمية عالية أخرى ككليات التقنية التي أصبحت متميزة في الشرق الأوسط برمته، وكذلك جامعة زايد وما تبعها من الكليات ذات الطابع العلمي الذي لا يضاهى في المنطقة العربية، وأصبحت جامعة زايد رمزاً لتقدم التعليم في المنطقة الخليجية والعربية، ووفد إليها الطلبة من كل أنحاء الخليج، إضافة إلى الألوف من طلبة وطالبات الإمارات، ما حدا بالعديد من المهتمين بالتعليم على التبرع وتخصيص كراسي علمية في هذه الجامعة التي كرس لها الشيخ نهيان جهوداً نافعة يسجل له تاريخ التعليم العالي في هذه البلاد بكل فخر .
والإشارة الأخيرة في نهاية هذا الحديث، هو السؤال الذي يشغل بال الواعين، ممن يدركون أهمية التعليم في مراحله المختلفة، ويدركون أيضاً القيمة المضافة التي كانت لأشخاص كالشيخ نهيان والمؤسسين الأوائل الذين تركوا صنيعاً حسناً لا تمحوه الأيام، هل التعليم العالي سيظل عالياً في غياب هؤلاء المشار إليهم؟
[email protected]


 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"