تحديات التنمية في إفريقيا

02:09 صباحا
قراءة 6 دقائق
د. أميرة محمد عبد الحليم

تعبر مشاهد الفقراء والمرضى والمشردين التي أصبحت لصيقة بالحديث عن القارة الإفريقية ،ولا تكاد تخلو منها وسائل الإعلام العالمية، عما وصلت إليه هذه القارة في مستويات التنمية وما يرتبط بها من مضامين خاصة بالأمن الإنساني بعد مرور أكثر من خمسين عاما على تحررها من الاستعمار، وما نجحت في تحقيقه من جهود بذلتها دول القارة عبر سنوات طويلة للخروج من دائرة الدول العاجزة والتابعة.

تبنت الدول الإفريقية منذ ستينات القرن الماضي العديد من خطط ونماذج التنمية، وبرزت فكرة «الدولة التنموية»، حيث اتسمت هذه الدولة بالاستبداد. وكثير من علماء السياسة وعلماء القانون أيدوا فكرة حكم الأقلية التنموية، ومع نهاية السبعينات، بدأت قدرات الحكومات الاستبدادية الإفريقية تتراجع بشكل واضح عن تحقيق أهدافها التنموية. ولاحظ الجميع سواء الشعوب الإفريقية أو الحكومات الغربية، أو مؤسسات التمويل الدولية فشل «ديكتاتوريات التنمية».

وبرزت الإخفاقات المتتالية لخطط التنمية الإفريقية في شكل موجات من الأزمات هددت الاستقرار داخل دول القارة وأقاليمها بعد أن تحولت خلال التسعينات من القرن الماضي إلى سلسلة من الصراعات والحروب الأهلية غير المسبوقة في القارة، حيث طرحت هذه المرحلة وبشكل جدي تساؤلات حول متطلبات الأمن والتنمية في القارة الإفريقية ومدى ارتباط هذه العوامل بمجموعة من الاختلالات الخاصة، أولاً بقدرات الإنسان الإفريقي وكذلك كفاءة وجودة آليات ومؤسسات العمل التي تعتمد عليها الحكومات في تنفيذ خططها التنموية.

وفي هذا الإطار أولت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المختلفة والقوى العالمية أهمية خاصة لقضية التنمية خاصة في الدول النامية، وربطت تحقيق الأمن والاستقرار بإنجاز خطط التنمية، وتمخضت المؤتمرات والاجتماعات الدولية في التسعينات عن توافق آراء عالمي غير مسبوق بشأن رؤية مشتركة للتنمية. وعلى إثره اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثامن من سبتمبر/أيلول2000 إعلان الألفية بشأن التنمية، وقررت الدول الأعضاء استئصال الفقر المدقع والعمل على تقاسم أفضل لفوائد العولمة، فضلاً عن بذل الجهود من أجل تشجيع الديمقراطية ودولة القانون. والتزمت الدول بالاستجابة من عام 2000 وحتى 2015 لأهم التحديات التي تواجه التنمية مع اعترافها بأن الدفاع عن مبادئ الكرامة الإنسانية والمساواة والإنصاف هو شأن يتعلق بالمسؤولية الجماعية.

وتضمن إعلان الألفية ثمانية أهداف أساسية تصبو إليها البشرية، من أجل عيش أفضل، تحققها الدول خلال الفترة الممتدة بين 2000 - 2015:
القضاء على الفقر المدقع والجوع، تحقيق تعميم التعليم الابتدائي، تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، خفض معدلات وفيات الأطفال دون الخامسة، تحسين صحة الأمهات، مكافحة مرض نقص المناعة الإيدز والملاريا وغيرهما من الأمراض، ضمان الاستدامة البيئية وتطوير شراكة دولية من أجل التنمية.

ومنذ ذلك التاريخ، سعت جميع دول العالم النامي، وخاصة الدول الإفريقية في أقاليم جنوب الصحراء في محاولات لإنجاز هذه الأهداف، وتمكنت العديد من دول القارة من تحقيق بعض النجاحات مع زيادة معدلات النمو الاقتصادي في القارة خلال هذه السنوات إلا أن تحديات كبرى واجهت هذه الدول وحالت دون تمكن دول القارة من تنفيذ الأهداف الإنمائية للألفية مع نهاية عام 2015.
وفقاً للتقرير الذي أصدرته الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وبنك التنمية الإفريقي في سبتمبر/أيلول 2015، حول ما حققته القارة من أهداف الألفية الإنمائية، فإن إنجازات دول القارة لا يمكن تجاهلها لأنها تمكنت من تقليص العديد من الظواهر، إلا أنها ونتيجة للتحديات المختلفة التي عصفت بجهود التنمية لم تتمكن من تنفيذ هذه الأهداف على النحو المخطط لها.

فقد تمكنت دول إفريقية عديدة من خفض معدلات الفقر من 56.5 % في عام 1990 إلى 48.4 % في عام 2010، ما يمثل انخفاضاً بنسبة 14 %، إلا أن هذه النسبة أقل بكثير من الهدف الإنمائي للألفية وهو 28.25 %. وتختلف الجهود المبذولة على المستوى الوطني، فقد تمكنت بعض الدول من خفض معدلات الفقر أسرع بكثير من غيرها. وكان أكبر انخفاض في جامبيا ووصلت النسبة إلى 32 %، تليها بوركينا فاسو، والنيجر وسوازيلاند وإثيوبيا وأوغندا وملاوي. ولكن معدلات النمو كانت ضعيفة وغير كافية لاستمرار جهود الحد من الفقر، وكان من المتوقع أن يتسارع النمو في إفريقيا من عام 2013- 2014، من 4.7 % إلى أكثر من 5%. وكذلك، أن يستمر إقليم غرب إفريقيا في تحقيق أعلى نمو في القارة بزيادة متوقعة من 6.7% عام 2013 إلى 6.9 عام 2014.
كما حققت الدول الإفريقية مجهودات لتزيد من نصيب الفرد من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، ووصلت هذه الزيادة إلى نسبة 0.6%، بالمقارنة بآسيا 0.4%. وعلى النقيض من ذلك، شهدت شمال إفريقيا تراجعا في النمو من 2 % في 2001، إلى 0.5% بحلول عام 2013، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى آثار الثورات الشعبية والاضطرابات التي قد اجتاحت الإقليم الفرعي والشرق الأوسط منذ عام 2010.
وفيما يتعلق بالقضاء على الجوع، فإن إفريقيا باستثناء شمال إفريقيا تظل الأكثر معاناة من نقص الغذاء على مستوى جميع أقاليم العالم، فهناك 25 % من سكانها واجهوا الجوع وسوء التغذية خلال الفترة من 2011-2013، نتيجة الصراعات المستمرة في وسط إفريقيا والظروف المناخية غير المواتية مثل الجفاف والفيضانات في منطقة الساحل، ومواصلة القرن الإفريقي وجنوب إفريقيا الضغط على الأمن الغذائي والتغذية. إضافة إلى انتشار وباء إيبولا في غينيا، وليبيريا وسيراليون وزيادة التضخم في أسعار الغذاء في البلدان الثلاثة، وعلى مستوى الإقليم الفرعي، تهدد بدفع كثير من الناس لأقل من الحد الأدنى من مستوى استهلاك الطاقة الغذائية.
ومنذ عام 2000، أظهرت معظم البلدان الإفريقية تسارعا ملحوظا في توسيع فرص الحصول على التعليم الأساسي. في عام 2012، سجلت 20% من الدول معدل التحاق أكثر من 90 %. إلا أن الإنجاز كان أبطأ في تلبية الاحتياجات والوصول إلى الفئات مثل المتسربين من التعليم من الشباب، والأطفال ذوي الإعاقة. والأطفال الذين يعيشون في الدول المتضررة من الصراعات والأشخاص المرحلين وبعض الأقليات العرقية. أما فيما يتعلق بتحسين التعليم الابتدائي فما زال يمثل تحديا كما أن إفريقيا بعيدة عن تحقيق معدلات إتمام الالتحاق بالمرحلة الابتدائية للجميع بحلول عام 2015.
وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها العديد من الدول الإفريقية في إنجاز أهداف الألفية، إلا أن التحديات والمعوقات التي واجهتها هذه الدول خلال السنوات الأخيرة تحول دون انعكاس هذه الإنجازات على تحقيق الأمن والاستقرار في القارة.
فمن ناحية لا تزال الصراعات التي تندلع بصورة مفاجئة ويصعب احتوائها على نحو سريع من أهم معوقات التنمية، وتطرح هذه الصراعات جدلية الأمن والتنمية، هل تحقيق الأمن أولا يمكن أن يحقق التنمية أم التنمية أولا، كما تعكس هذه الصراعات الاختلالات التي تعانيها سياسات معالجة الظواهر الأمنية في القارة الإفريقية والتي تركز على أعراض المشكلة دون اهتمام كبير بالجذور والأسباب الحقيقية للمشكلة.
وامتدادا لهذه المشكلة تبرز مشكلة الحكم الرشيد في إفريقيا، وفشل تطبيق مبادئ الديمقراطية في العديد من دول القارة، في ظل إصرار الأنظمة الحاكمة على الاستئثار بالسلطة دون غيرهم، ويرتبط بهذه القضية انتشار الفساد، حيث تحتل الدول الإفريقية قمة مؤشرات الفساد.

ومن ناحية أخرى، فإن التجارة غير المتوازنة بين القارة والعالم الخارجي، تؤثر بشكل ملحوظ في مكتسبات التنمية ومدى انعكاسها على المجتمعات الإفريقية، فالعديد من البلدان الإفريقية جنوب الصحراء تعتمد على تصدير الموارد الطبيعية والسلع الأولية المعرضة للصدمات والتي تؤدي إلى إرباك مكاسب التنمية. كما لا يسمح بتوفير فرص عمل لائقة للأغلبية من القوى العاملة.

يضاف إلى ذلك، مشكلات الكوارث الطبيعية وانتشار الأمراض المعدية مثل فيرس إيبولا الذي أدى انتشاره في دول غرب إفريقيا إلى تراجع مستويات النمو وتزايد معدلات الفقر في هذه الدول، لتبتعد كثيرا عن المؤشرات الدولية المتوقعة للنمو خلال عامي 2014، و2015.
هذا إلى جانب عدم قدرة ما يقرب من 300 مليون إفريقي على الوصول إلى المياه الصالحة للشرب عام 2013، وانتشار البطالة بين الشباب كنتيجة لعدم الربط بين التعليم وسوق العمل حيث لا يقل عن 60% من العاطلين عن العمل من الشباب البالغين في إفريقيا .
وأخيرا، يمكن القول إن تنفيذ الأهداف الإنمائية يعتمد في المقام الأول على السياق والظروف التي تعيش فيه الدول الإفريقية ومن ثم لابد من تعديل وتحسين بيئة التنمية أولا قبل البدء في تنفيذ أهدافها فتركيز أهداف الألفية على تخفيض نسب الفقر على سبيل المثال دون الاهتمام بالعوامل المساعدة على إنجاز هذا الهدف يجعل تنفيذ وانعكاس عوائد هذا الهدف على المجتمعات من الأمور الصعبة جداً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"