«الطوي».. سر الحياة في ماضي الإمارات

يعود تاريخها إلى 400 سنة
00:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
حتى ستينيات القرن العشرين كانت الطوي إحدى أهم مصادر المياه في الإمارات، منتشرة هنا وهناك، في صحراء وجبال الإمارات. مؤنثة وجمعها (طوى)، ونقول هذه الطوي حفرها فلان، واهتم القدماء بمصطلحات خاصة بها، منها (الجال) أو (اليال)، التي تُطلق على الجدار الداخلي للطوي.
وتسمى الطوي (خريجة) إذا كان الماء مالحاً، وتسمى (يفر) إذا كان الحفر قليلاً جداً، بحيث يتم حفره بأقل من باع واحد (يساوي متراً تقريباً)، ويخرج الماء وهكذا كانت منطقة الراحة في دبي أكثرها (يفر).

واهتم الأجداد بحفر الطوى بحثاً عن الماء للإقامة والشرب، فكانوا يختارون مواقع الحفر بعناية بالغة، وكانوا ينزلون من يقوم بالحفر والبناء الداخلي للطوي بواسطة حبلين معلقين تحت إبطيه، ويقوم بالحفر قليلاً قليلاً، وربما يصل الحفر أحياناً إلى 27 قامة، واشتهر كثير من الرجال بهذه الصنعة، ويعد أشهرهم سامان المطرق.

ويرتبط تاريخ الإمارات ارتباطاً وثيقاً بالماء والسفر والطرق والقوافل، التي شكلت جزءاً لا يمكن تجاهله من تاريخ الإمارات، وفق د. راشد رشود، الباحث في التراث.

ومازالت هناك شواهد ومعالم كثيرة لها، تعود إلى آلاف السنين تقف شامخة في وقتنا الحاضر، لتشهد على عمق التاريخ القديم في الدولة.

وعلى الرغم من التطور الكبير في البنية التحتية للدولة، الذي طال كل شيء منذ سبعينات القرن الماضي، مازال جيل الأجداد والآباء يتذكر آبار الماء، التي كانت لا تقل أهميتها عن محطات تحلية مياه الخليج حالياً، ويؤكدون أن طرق الترحال والقوافل كانت بالنسبة لهم، لا تقل أهمية عن الطرق السريعة المعبدة والمطارات الجوية والموانئ البحرية في وقتنا الحاضر.

ويقول رشود: عندما نستعرض كتباً عن الإمارات لمؤلفين، أمثال لوريمر أو ديكسون، نجدهما سجلا تقريباً كل الآبار في الإمارات وفي صحرائها، التي كانت تبلغ المئات، وذكرا الطرق التي تمر بها.

وارتبطت الآبار في الماضي، وحتى 35 سنة خلت من عمر الدولة، ارتباطا وثيقاً بحياة أفراد المجتمع، بمختلف شرائحه وبيئاته، وكانت الطوي مصدراً مهماً من مصادر توفير مياه الشرب، وعنصراً فعالاً في إكساب الأرض لوناً أخضر، وكانت محطة استراحة في طريق القوافل، ونواة لتشكيل تجمعات سكنية.
حسب د. راشد رشو، لم يعد للطوى اليوم تلك الأهمية الكبيرة التي شكلتها قبل 30 عاماً، في ظل مظاهر التمدن والتطور الحضاري، وبدأت أهمية الطوي ودورها في الاضمحلال شيئاً فشيئاً، وربما جهل أهميتها أبناء هذا الجيل، وضاعت أسماء ومناطق كثيرة استُمدت من هذه الطوى. ومن أسمائها أيضاً "البدع"، ويعني في "لسان العرب" الحفر، ويكثر استخدام اسم بدع في أبوظبي ودبي، فنجد أسماء مثل بدع زايد وبدع خليفة وبدع بالهلي.

والطوى لا تُحفر عادة في المكان الرملي المعرض للانهيار، بل يتم اختيار منطقة متماسكة، وتعتمد مدة حفر الطوي على الأشخاص المشاركين فيه، وعمق الماء، فإذا كان الماء قريباً من السطح، لا يستغرق الحفر أكثر من يومين، أما إذا كان عميقاً، فقد يستمر إلى 10 أيام، وإضافة إلى حفر بئر جديدة، هناك أيضاً الطوي المحفورة سابقاً، لكنها تحتاج إلى تنظيف، خصوصاً تلك التي تدكها التربة التي تجرفها الرياح، ويحدث أحياناً أن تسقط فيها دابة فتموت، حينئذ يتم إخراج جيفتها وتنظيف البئر جيداً، لتعود صالحة للاستخدام، وهناك طوى قديمة جداً، لا يعرف من حفرها، ويعود تاريخها إلى أكثر من 300 سنة، مثل تلك التي ذكرها ابن ظاهر، كبئر فلاح وعثمر وتاهل والعشوش، أما الطوي القديمة المجهولة الاسم، فتسمى جهلي، وفي مقابلها هناك طوى حديثة نسبيا، تعود إلى 50 أو 40 سنة خلت.

رمز

اعتبر الأجداد الطوي رمزاً من رموز حياتهم اليومية، وكان شريان الحياة في البيئة الصحراوية القاحلة، فقد كان إلى جانب إمداده الناس بالماء للشراب والطعام، استراحة لأفراد القبائل العابرين من مكان إلى آخر.
كما يعتبر الطوي أحد موارد الماء التي تعتمد على المياه الجوفية، وكانت منتشرة في مراكز استقرار السكان، إذ يقوم بحفر الطوي عدد من الأشخاص يراعون ألا يتم الحفر في مكان رملي معرض للانهيار، بل في أرض صلبة.

وتعتمد مدة حفره على عدد الأشخاص المشتركين في الحفر، وعمق الماء تحت سطح الأرض، فإذا كان الماء قريباً من سطح الأرض لا يستغرق الحفر أكثر من يومين، أما إذا كان مستوى الماء عميقاً، قد يستمر الحفر حوالي عشرة أيام، إلى أن يظهر الماء ويسحب منه بواسطة الدلو ويسمى «الغرافة».

وتوجد مجموعة من الطوي في الدولة قديمة جداً يعود تاريخها إلى نحو أربعمئة سنة، كالتي ذكرها ابن ظاهر في قصيدتيه «بئر فلاح»، و«العشوش وعثمر»، كما سميت الطوي بالبدع، ومن ضمنها في إمارة أبوظبي: بدع زايد، بدع خليفة، بدع حمدان، وهناك الكثير من الطوي المنتشرة في الدولة سميت بأسماء من أمر بحفرها ومن أشهرها «طوي سلمى».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"