انتخابات «إسرائيلية» على وقع العنصرية

02:46 صباحا
قراءة 5 دقائق
حلمي موسى

حمل زعيم حزب العمل آفي غباي على زعيم الليكود بنيامين نتنياهو واتهمه في مقابلة تلفزيونية بأنه «عنصري». ولم يأت هذا الاتهام على خلفية الضجة التي أثارتها تغريدة مقدمة البرامج التلفزيونية روتيم سيلع حول مساواة العرب ورد نتنياهو عليها بأن الدولة العبرية ليست «دولة كل مواطنيها» وأنها دولة لليهود فقط.
جاء الاتهام على خلفية صورة انطلاق الحملة الانتخابية لليكود والتي ظهر فيها سبعة من القيادات الأولى لهذا الحزب وليس بينهم أي يهودي شرقي الأصول وهو ما أغضب حتى الوزيرة الليكودية ميري ريغف التي وصفتهم ب«الأشكناز».
غير أن العنصرية الداخلية الملموسة في الاحتلال لا تدفع كثيرين لاعتبارها فعلاً حقيقياً معادياً للديمقراطية بسبب انضواء الأغلبية الساحقة من اليهود هناك تحت رايات العنصرية الفاضحة ضد العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً. فالتمييز ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة معروف وواضح ويتم بشكل قانوني صريح حيث أنشئ نظام متكامل من الفصل العنصري في الضفة الغربية. غير أن هذه الصورة تغدو مشوشة بعض الشيء حينما تنتقل إلى التعاطي مع فلسطينيي 48 وهم مواطنون في دويلة الاحتلال التي تدعي الديمقراطية.
ويمكن القول إنه في ظل حكم الليكود وسيطرة بنيامين نتنياهو جرى إقرار الكثير من القوانين التي تميز بوضوح ضد عرب 48. وخلافاً للنهج الذي اعتمده قادة الكيان منذ إنشاء الدولة العبرية وحتى حكم الليكود حين كان التمييز يتم بالإيحاء وبالإشارة وبشكل مستتر، صار التمييز علنياً ومنهجياً. وليس صدفة أن أشد العنصريين وضوحاً مثل جماعة مئير كهانا التي أخرجت في الماضي عن القانون «الإسرائيلي» بسبب عنصريتها، عادت في عهد نتنياهو لتغدو طوق النجاة لحكم اليمين. ولم يكن نتنياهو ولا المؤتلفين معه أقل ميلاً لأساليب كهانا وجماعته في معاداة العرب والتصرف بعنصرية معهم. إذ كان هذا ديدن وزير دفاع نتنياهو، أفيغدور ليبرمان وحزبه «إسرائيل بيتنا» في كل الحملات الانتخابية التي خاضها. كما أن هذا كان منهج وزير التعليم نفتالي بينت، زعيم «البيت اليهودي» سابقاً و«اليمين الجديد حالياً».
لكن هذا لم يكن بعيداً عن سلوك نتنياهو نفسه الذي خرج في الانتخابات السابقة عن دائرة الصمت الانتخابي في يوم التصويت ليعلن بذعر لجمهوره أن العرب يتدفقون على صناديق الانتخابات «موحياً بأن ليس من حقهم فعل ذلك». غير أن نتنياهو لجأ هذه المرة إلى أسلوب أشد فضحاً من كل الأساليب السابقة في رده «التربوي» على مقدمة البرامج روتيم سيلع التي هالها أن تتبادل الأحزاب الصهيونية الاتهامات بأنها سوف تستند إلى الأحزاب العربية في تشكيل الحكومة المقبلة.
وكانت استطلاعات الرأي قد أظهرت في وقت ما احتمالاً بأن يخسر معسكر اليمين الحكم لصالح حزب الجنرالات «أزرق-أبيض» برئاسة الجنرال بني غانتس. وهذا ما دفع وزيرة الثقافة الليكودية، ميري ريغف لتحذير «الإسرائيليين» من أن «غانتس» سيشكل حكومة مع العرب.
فكتبت سيلع في حسابها في إنستغرام: ما المشكلة مع العرب؟ متى، بحق الجحيم يخبر أحد أعضاء الحكومة بأن «إسرائيل» دولة لكل المواطنين وأن الناس جميعاً خلقوا سواسية، وأن العرب والدروز والمثليين والمتحولين جنسياً، وحتى اليساريين أيضاً جميعهم من بني الإنسان. فما كان من نتنياهو إلا أن رد عليها على حسابه في تويتر: «أوضح نقطة، تبدو أنها غير واضحة للبعض: إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية، وهذا يعني أنها الدولة القومية للشعب اليهودي.. له فقط». وأضاف: «عزيزتي روتيم، إن إسرائيل ليست دولة لكل المواطنين. ووفقاً لقانون الجنسية الأساسية الذي مررناه، إسرائيل دولة اليهود فقط».
فالحلبة السياسية تشهد حملة واسعة لإخراج العرب عن دائرة التأثير والشرعية كما تجلى في موقف الليكود من القائمة العربية حيث دفعوا إلى المطالبة بشطبها في الوقت الذي أيدوا فيه مشاركة «القوة اليهودية» الكهانية في الانتخابات. ومن المقرر أن تحسم المحكمة العليا في الاحتلال مسألة من سيسمح له بالمشاركة ومن سيمنع في وقت قريب. ولكن بصرف النظر عن نتائج قرار المحكمة من الواضح أن العنصرية ضد العرب اتخذت في المعركة الانتخابية الحالية مكاناً بارزاً.
فقد انتقد الرئيس «الإسرائيلي»، رؤوفين ريفلين من طرف خفي وبشكل ضمني موقف نتنياهو العنصري معلناً رفضه «التصريحات غير المقبولة» حول العرب.
لكن كلام ريفلين في واد ومواقف الأحزاب الصهيونية الرئيسية في واد آخر. فالتنافس على أشده بين الأحزاب الرئيسية في إعلان رفضها التحالف مع العرب في أي ائتلاف حكومي مستقبلي. وليست هناك تهمة جاهزة للتأثير في الناخب اليهودي أشد من اتهام طرف لآخر بأنه سوف يتحالف مع العرب أو سيستند إلى أصواتهم في تشكيله للحكومة المقبلة. فالعرب في «إسرائيل» في نظر جمهور الناخبين اليهود، خارج اللعبة. ومع ذلك فإن الفارق في ردود الفعل يتمثل في شدة العنصرية ضد العرب وليس في رفضها من أساسها. وقد وصف رئيس كتلة الجبهة الديمقراطية في الكنيست، أيمن عودة نتنياهو بأنه «عنصري من أخمص قدميه حتى أعلى رأسه»، مشدداً على أنه «أكثر رئيس حكومة «إسرائيل» في تاريخها، تحريضاً ضد المواطنين العرب».
ويمكن القول إنه عدا شريحة ضيقة من اليساريين والليبراليين الإنسانيين يصعب العثور على من يعارض المنهج العنصري ضد العرب في «إسرائيل». وتشهد على ذلك وسائل الإعلام من ناحية والتصويت في الكنيست لصالح القوانين الكثيرة التي تميز ضد العرب. وهناك قناعة واسعة في أوساط المثقفين اليهود في «إسرائيل» بأنه في كل ما يتعلق بالعرب ليس ثمة فارق كبير بين من يتزعم الأحزاب الصهيونية إن كان يسمى نتنياهو أو غانتس أو يائير لبيد. ويكتب كالمن ليبسكيند في معاريف: «في هذا الشأن ينبغي قول الحقيقة. مع كل الاحترام للرغبة التلقائية في اتهام رئيس الحكومة الحالية بشأن العرب، ليس هناك أي فارق بين نتنياهو وبني غانتس ويائير لبيد. وسواء بدا لكم الأمر منطقياً وبديهياً أو بدا لكم عنصرياً وفظيعاً، فإن نتنياهو وغانتس ولبيد يتواجدون بالضبط في المكان ذاته». ويضيف: «لنقل الحقيقة، العرب ليسوا مواطنين متساوين. في دولة تعرف نفسها أنها يهودية، لا يمكنهم أن يكونوا متساوين، يمكنهم نيل مساواة مدنية فردية وليس أكثر من ذلك. هكذا يفكر اليمين الصهيوني. وهكذا يفكر اليسار أيضاً، ولا فرق بينهما، حتى وإن توفر الدافع الشديد لأحد لأن يعرض اليمين كمتطرف واليسار كمعتدل ومتسامح».
ولا ريب أن هذا النقاش يتخذ معنى أكثر أهمية حين يجري والعالم بأسره يناقش عواقب الدوافع العنصرية بعد مجزرة مسجدي نيوزيلندا وقبل أيام من اليوم العالمي لمكافحة العنصرية. فهل هناك من يتذكر تلك الأيام التي وصمت فيها الأمم المتحدة الصهيونية بالعنصرية؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"