العمارة الطينية في الإمارات.. تراث نابض

شاهدة على فترة عريقة في منطقة الخليج
01:13 صباحا
قراءة 4 دقائق

العين: هديل عادل
تتمتع الدولة بتجربة طويلة في مجال البناء بالطين، ويوجد عدد كبير من المواقع التراثية المهمة في الإمارات، خصوصاً تلك الموجودة في واحات مدينة العين أو المناطق المحيطة بها تحتضن نماذج لمبانٍ طينية محفوظة في حالة جيدة على مر الزمان.
عاش سكان هذه المناطق في انسجام مع البيئة المحيطة بهم على امتداد آلاف السنين، وأمدتهم الموارد الطبيعية المتوفرة، من طين وسعف النخيل وجذوع النخل، بمواد البناء اللازمة لتشييد المباني الملائمة للأجواء المناخية المتغيرة في الواحات.
وكان مؤسس الدولة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، على إيمان عميق بأهمية الأوجه المادية والمعنوية للتراث الثقافي، فأطلق خلال فترة حكمه عدداً من حملات الأعمال والصون الناجحة التي تهدف إلى الحفاظ على التقاليد المعمارية الخاصة بالدولة، ولا يزال إرث الشيخ زايد مستمراً في العديد من المؤسسات والمشاريع التي كرست جهودها لصون وترويج ثقافة وتراث دولة الإمارات، بما في ذلك تقاليدها في العمارة الطينية.
واليوم بفضل رؤية صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، أصبحت الإمارات وجهة ثقافية مرموقة تتميز بموروثها العريق وحفاظها على التراث والقيم الأصيلة.
وتشكل مادة الطين حجر الأساس في البيوت الإماراتية القديمة، التي سادت في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وبعض هذه البيوت ما زال قائماً، وبعضها اندثر أو فقد معظم أجزائه لكنه بقي معلماً وشاهداً على تاريخ فترة عريقة ليس في الإمارات وحدها، وإنما في الخليج بشكل عام، وأكثر من ذلك فإن الطين رافق الجنس البشري منذ آلاف السنين، فبنى الإنسان مساكنه ومعابده وقصوره من التراب والطين.
وللعمارة الطينية في الدولة تاريخ ومكانة خاصة، لأن أغلبية القلاع والحصون هي في الأساس ذات منشأ طيني، سواء في مدينة العين أو غيرها من المناطق المتفرقة في الجغرافيا الإماراتية، وبعض هذه البيوت رُمم وأصلح من قبل الإدارات التراثية المختلفة في الدولة، وبعضها هُدم واستُبدل بمنازل حديثة أكثر صلابة ومتانة، خصوصاً بعد دخول البلاد مرحلة التطور العمراني التي لعب الحجر ومادة الأسمنت دوراً محورياً في تشييد منازلها.
ويتميز البيت الطيني بالرحابة والهدوء، وكان يوفر لساكنيه نوعاً من الطمأنينة، وكانت البيوت تتشابه في طرز بنائها البسيط. وتختلف في طريقة البناء حسب العناصر الداخلة فيها، وأشكالها التقليدية، وموقعها الجغرافي، كما يراعى في بنائها مجموعة من العوامل على رأسها درجة الحرارة وشدة البرودة والأمطار، كما أن الطين المخلوط بالتبن، يشكل المادة الأساسية في البيوت الطينية، ويتميز بالقوة، وتضاف إليه الحجارة التي تُجلب من البحر، ويُترك لفترة حتى يجف في الشمس، وغالباً ما تُلصق المادة الطينية باستخدام اليد، كما تُرسم عليها الأشكال الجميلة على الواجهة والشرفات، خصوصاً أشكال المثلثات والمربعات وما شابهها، وتصبغ باللون الأبيض.
وبالنسبة إلى المواد المستخدمة في سقف المنزل فهي عبـارة عن خشـــب من جذوع النخيـــــــل أو الأثل أو الســـــدر، ويوضع فوقه جريد النخل مع إضافــة طبقة أخرى مـــــــن الطيـن المخلوط بالتبن كي تتمم عملية التسقيف. أما أبواب المنزل، فتُصمم بشكل يجعلها قوية ومتماسكة، وغالباً ما تُضاف المزاليج لها، ويحرص النجارون على استخدام خشب يطلق عليه «الأثل» ويُجلب من جذوع النخل.
وتزخر مدينة العين بعمارة القلاع والحصون والمباني الطينية القديمة، وفيها كثير من البيوت التي بنيت من الطين أو كان الطين مكوناً رئيسياً فيها، ولكنها تأثرت ببعض عوامل المناخ السلبية على المباني الطينية، إذ تؤثر العواصف الرملية والأمطار والرطوبة المرتفعة وهجمات النمل الأبيض في المباني التاريخية، ولهذا طوّرت هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة استراتيجيات ومنهجيات مهمة لحفظ تلك المباني، من أجل صون التراث الثقافي لإمارة أبوظبي والترويج له.
ويعتبر بيت عبد الله بن سالم الدرمكي من الأمثلة الحية على البيوت المبنية من الطين التي طبقت فيها الهيئة استراتيجيات الاستقصاء والحفظ، وكانت مرحلة الاستقصاء تهدف إلى مسح البيت وتحليل مواد البناء المكونة له من أجل تقييم نسب الملوحة والمسامية ومدى انتشار النمل الأبيض، ومن ثم قياس الشروخ والتصدعات الموجودة في المبنى من أجل تحديد أثرها المحتمل على سلامته الإنشائية، وأدى هذا البحث إلى تطوير استراتيجية حفظ مستدامة، تجنبت المساس بالقيمة المعنوية والتاريخية لهذا المبنى.
أما عمليات الحفظ، فبدأت بالتخلص من التراب المسامي في أسفل الجدران، وإعادة بناء أجزاء من الجدران المتضررة بشكل كبير باستخدام قوالب طينية تقليديــــــة مجففة بالشـمـس، وسُدت جميع الشروخ الكبيرة، وزودت العتبات العليا بدعائم، كما دُعّم المبنى بالأعمدة الخشبية.
حصدت قلعة الجاهلي، إحدى أكبر القلاع التقليدية المبنية من الطوب الطيني في مدينة العين، جائزة «تيرا» العالمية لأفضل تصميم ومخطط داخلي لمبنى طيني معاصر خلال فعاليات الدورة الثانية عشرة للمؤتمر الدولي للعمارة الطينية، وذلك في إطار الجهود العالمية للحفاظ على البناء الصديق للبيئة واعتباره نموذجاً للعمارة التي يمكن أن تعوض البناء الأسمنتي.
وقلعة المربعة من أبرز القلاع المبنية من الطين في مدينة العين، بنيت في عام 1948، على يد المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كبرج مراقبة ومقر للحرس الأميري، واستخدم في تشييدها الطين واللبن والدعون والليف والجص وغيرها من المواد، ويقع المبنى المستطيل المكون من 3 طوابق في وسط مدينة العين، وهو يطل على الفناء ذي الأسوار المنخفضة الذي بني حوله لاحقاً، وكان يضم 4 غرف كمخازن للذخائر في الطابق السفلي للمبنى، و7 غرف إضافية في الطوابق العليا، ومع مرور الوقت أصبحت المربعة مركزاً للحياة الشعبية في العين.
أما قلعة مزيد فشُيدت في القرن التاسع عشر بالقرب من جبل حفيت لأغراض استراتيجية حربية، واستخدم الحجر المصنوع من الطين والقش المجفف بواسطة الشمس في بنائها، وتعتبر من أكبر المباني، وأكثرها منعة وقوة في منطقة العين، وتحتل مساحة 3600 متر مربع، وبنيت بهذا الحجم الضخم والمظهر المهيب، لتعكس أهميتها كقلعة حصينة، وذلك لترهيب الأعداء المحتملين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"