“قصص وأخبار جرت في عمان” بحث في أصول التاريخ

طبعته الأولى صدرت قبل 29 عاماً من دون اسم مؤلفه
13:08 مساء
قراءة 4 دقائق

ضمن اهتماماته بدراسة التاريخ، يقدم الدكتور سعيد بن محمد بن سعيد الهاشمي تحقيقا علميا رصينا لكتاب (قصص وأخبار جرت في عمان) للمؤلف العلامة أبو سليمان بن محمد بن عامر بن راشد المعولي الأفوي، وهي النسخة الأولى التي تصدر باسم المؤلف بعد تسعة وعشرين عاماً من نشر طبعته الأولى التي خلت من اسمه، صدر الكتاب عن وزارة التراث والثقافة، وجاء متواكباً مع مشوار الدكتور سعيد الهاشمي في بحث وتحقيق التاريخ العماني وعرضه للمتلقي العماني والعربي بصورة اكثر وضوحاً وشمولية.

يؤكد المحقق أن العمانيين لم يهتموا بتدوين تاريخهم إذا قارناهم بإخوانهم العرب، لكنهم بذلوا فيه الغاية من حيث سير أئمتهم وملوكهم وسلاطينهم، وتراجم علمائهم، وأعلامهم، ورواة أحاديث، فوصفوا حوادث وقائعهم، وزخرت المكتبة العمانية بالمؤلفات والمصنفات العديدة في مختلف فنون المعرفة الدينية والتاريخية والأدبية والفلكية. وبدأ التدوين في عمان منذ القرن الأول للهجرة، حينما يذكرنا الأثر بأن مؤلفات جابر بن زيد (ديوان جابر)، ثم تتابعت المؤلفات، وتطورت في القرون الثالث والرابع والخامس والسادس حتى وصل الكتاب الواحد منها إلى سبعين مجلدا، وقد بدأ تدوين التاريخ منذ القرن الثاني الهجري فظهرت سيرة شبيب بن عطية ثم توالت السير خصوصا بعد حادثة عزل الصلت بن مالك (237ه - 273ه) حتى جمعت هذه السير عن كتاب ضم 34 سيرة. وفي القرن الخامس ألّف العوتبي كتابه الأنساب ممزوجا بروايات تاريخية ووقائع مشهورة، ثم تبعه القلهاتي فابن النظر وختم القرن التاسع بسيرة ابن مداد.

وأول تاريخ لسيرة شخصية هي سيرة الإمام ناصر بن مرشد اليعربي (1034ه - 1059ه) لابن قيصر، ثم كتاب (كشف الغمة) للأزكوي الذي تتبع التاريخ العماني منذ وصول مالك بن فهم الأزدي في الربع الأول من القرن الثاني الميلادي إلى عمان وحتى عام1140ه/ 1728م حيث فتش عن تاريخ عمان من واقع المؤلفات التي سبقته من تراث أدبي أو فقهي أو كتب أنساب أو سير، وكان كتاب (الكشف) كبيراً يحتوي على أربعين باباً مزج فيه بين التاريخ، والفقه، والعقائد، والسيرة النبوية، وعصر الخلفاء الراشدين، والدولتين الأموية والعباسية، والفرق الإسلامية، ويخصص سبعة أبواب فقط للتاريخ العماني في فصول مختلفة، ثم قام ابن عريق المعاصر للأزكوي فاستخرج المادة التاريخية من كتاب (الكشف) فنمقه وزاد عليه ونقص وأفاض فيه وقبض وزاد عليه في أحداثه اثنتي عشرة سنة، وسماه (قصص وأخبار جرت في عُمان).

الدكتور الهاشمي يقول: قمنا بإحضار خمس نسخ من هذا الكتاب منها اثنتان بدار المخطوطات بوزارة التراث والثقافة ومنها واحدة في المكتبة الظاهرية بدمشق، والرابعة بالمكتبة الوطنية بباريس والخامسة في المكتبة البريطانية بلندن. وهذه النسخ ثلاث منها نسخت في1263ه، و1267ه، و1269ه والنسختان الاخريان نسختا في عامي 1308ه، و1313ه. ونسختان من هذا المخطوط نسختا في زنجبار.

ويضيف: كان الواجب يحتم علينا أن نثبت أن هذه النسخ هي من كتاب (قصص وأخبار جرت في عمان) وبالتالي علينا أن نثبت أن هذا الكتاب من تأليف ابن عريق، فالنسختان بدار المخطوطات الأولى بها عنوان الكتاب دون اسم المؤلف، بينما الثانية ناقصة في بدايتها لكن في نهايتها ذكر اسم المؤلف، ونسخة باريس ذكرت عنوان الكتاب واسم المؤلف، أما نسخة دمشق فقد ذكرت عنوان الكتاب من دون اسم المؤلف، ونسخة لندن لم تذكر عنوان الكتاب ولا اسم المؤلف. وحيث إن ثلاث نسخ ذكرت عنوان الكتاب ومثلهن صرحت باسم المؤلف وأثبت نسبة الكتاب عدد من المؤلفين منهم الشيخ البطاشي وولكنسون جي سي وغيرهم، وقدم المحقق في الكتاب ترجمة مختصرة عن المؤلف الذي يظهر أنه كان عالماً بصيراً بمعرفة التاريخ والأنساب وعلم الميراث، وله في الشعر سهم موغل في نظمه، وكان فقيها وقاضياً، وشارك في عزل بعض الأئمة وتنصيب البعض وكان القاضي الأكبر للإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي، وعاصر أحداث عمان الفضية وشهد نهاية دولة اليعاربة ونعاها. ومات قبل الامام أحمد بثمان سنوات تقريباً، ودفن بالوادي الكبير شرقي الوادي من مدينة مسقط.

ويعد مؤلف الكتاب العلامة الفقيه المؤرخ محمد بن عامر بن راشد بن سعيد بن عبد الله بن راشد بن محمد بن عدي المعولي المعروف بابن عريق ويكنى بأبي سليمان، وينسب إلى القبيلة المشهورة في التاريخ العماني وهي قبيلة المعاول والتي تنسب إلى معولة بن شمس حيث يرجع الفضل إلى ملوكها في إسلام أهل عمان، وتقبلوا دعوة رسول الله حيث دعاهم إلى الإسلام وبذلك أسلمت عمان قاطبة بعد أن طلب الملك جيفر بن الجلندي بن المستكبر بن مسعود المعولي من القبائل العمانية الدخول في الإسلام، كما أن ابن عريق ينسب إلى هذه القبيلة العريقة.

أما ولادته فكانت في العقد الثاني من القرن الثاني عشر للهجرة في أفي وهي مركز ولاية وادي المعاول، وذلك في عهد الإمام قيد الأرض سيف بن سلطان بن سيف اليعربي الذي تولى الإمامة بعد وفاة أخيه في عام 1104ه 1692م، ومات ابن عريق في مدينة مسقط 6 في 13 ذي الحجة 119ه 24 يناير/كانون الثاني 1777م وهو قاضي مسقط للإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي، ومات في حالة شيبة.

وقد عاصر الشيخ ابن عريق جملة من العلماء في عمان والذين تعلم على أيديهم أو الذين زاملهم في الدراسة والمهنة ومن هؤلاء الشيخ سعيد بن بشير الصبحي (1150ه 1737م) والشيخ حبيب بن سالم البوسعيدي والشيخ راشد بن سعيد الجهضمي، والشيخ سرحان بن سعيد الأزكوي وغيرهم. وكان الشيخ ابن عريق من جملة العلماء الذين خلعوا الإمام سيف بن سلطان بن سيف وبايعوا بلعرب بن حمير بالإمامة في 29 جمادى الثانية 1146ه 7 ديسمبر/كانون الأول 1733م، وكان من العاقدين على الشيخ أحمد بن سعيد البوسعيدي بالإمامة. وتولى ابن عريق القضاء للإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي في مسقط منذ بداية عهده وحتى وفاته في العام 1190ه 1776م.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"