ذاكرة الزمن

يحتفظ متحف المحفوظات والطوابع البريدية البريطانية في لندن بكل الملفات الوثائقية ومجموعات طوابع البريد الملكي التي تتعلق بمكتب البريد البريطاني لما وراء البحار. وكان هذا المكتب مسؤولاً عن مختلف عمليات مكاتب البريد والوكالات البريدية منذ عام 1948 بعد استقلال الهند التي كانت تهيمن على أعمال هذه المكاتب قبل ذلك. فمع تسارع الحركة نحو استقلال الهند بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كانت الوكالات البريدية المتنوعة في الخليج ضمن المؤسسات التي تقرر نقل مسؤوليتها وإدارتها إلى مكتب البريد البريطاني في لندن، وهذه الوكالات البريدية تتمثل في مكاتب بريد البحرين، الكويت، دبي، مسقط على أن يبدأ ذلك منذ الأول من إبريل/ نيسان 1948، واقترح استخدام طوابع بريطانية أساسية تضاف إليها طباعة قيم عملات مناسبة وأسماء المواقع بحيث يكون كل اسم على حدة مثل الكويت والبحرين والساحل المتهادن ومسقط، إلا أن سلطان مسقط لم يوافق على استخدام اسم بلده، وبالنسبة للكويت، تم تغيير التهجئة القديمة لاسمها أي كوويت Koweit إلى كويت Kuwait، ولسوء الحظ لم تعد ملفات إنتاج أوائل الطوابع موجودة. وفي ذلك الوقت، كانت الطوابع المستخدمة في البحرين تحمل صورة الملك جورج السادس التي صدرت عام 1937 فصاعداً، وفي عام 1953 ظهر أول طابع محلي فئة (آنه ونصف) يحمل صورة الحاكم سلمان بن حمد آل خليفة، وفي عام 1955 ظهرت طوابع الملكة إليزابيث الثانية، وتم طبع اسم البحرين على جميع الطوابع، أما في السعودية فصدر أو طابع بريدي عام 1914، وفي عام 1950-1951 استخدمت في الدوحة طوابع إنجليزية بفئات نقدية هي الروبية والناية والبيزة. وخلال الفترة من عام 1952 إلى 1954 استخدمت طوابع التتويج وطوابع إليزابيث الثانية فئة الروبية الواحدة، وبالنسبة لسلطنة عُمان، كانت الطوابع المستخدمة هي الطوابع الهندية منذ عام 1856 حتى 1947، وفي الكويت استخدمت الطوابع الهندية بصورة الملك جورج الخامس منذ عام 1915، وفي عام 1923 صدرت أول طوابع بريدية هندية تحمل صورة جورج الخامس و تحمل اسم الكويت. أما في الإمارات فاستعملت في البداية الطوابع الهندية، وعندما انتقلت الخدمة البريدية إلى الإدارة الباكستانية استعملت الطوابع الهندية بختم باكستاني وبعد الانتقال لبريطانيا استعملت الطوابع البريطانية، وفي عام 1961 استعملت للمرة الأولى طوابع الإمارات المتصالحة، وكان استعمالها في دبي فقط.

أول صحفي عربي يزور الكويت

أول صحفي عربي زار الكويت كان عبدالمسيح أنطاكي صاحب جريدة «العمران» بمصر، ونشر أنطاكي رحلته إلى الكويت عام 1908، كما نشر صورة له بالزي العربي، وعرّف عن نفسه بقصيدة أول شطر منها:

يا قوم ذا رسمي أمثله
                  أمامكمو بزي السادة الأعراب

ووصل الأنطاكي برفقة الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت على متن يخته «المباركي» قادماً معه من البصرة. ويقول الأنطاكي إن الرحلة استغرقت خمس ساعات بعد اجتياز شط العرب والدخول في الخليج. ويصف مشاهداته الأولى لمدينة الكويت من على ظهر اليخت فيقول «كانت بيوت الكويت تدنو منا فتتجسم كلما دنا اليخت المباركي من الساحل، وأول ما ظهر لنا هو مآذن الجوامع والمساجد، وأعلاها مئذنة الجامع الحميدي الذي شيده الحاكم وسماه باسم السلطان العثماني عبدالحميد، ثم بدأت تظهر لنا مباني المدينة وهي منتشرة حول البحر في مساحات واسعة، وكنا ننظر إليها بالمنظار فلاح لنا من بعيد قصر الحاكم، وبينما كان اليخت يدنو من المدينة، كنا نرى الأعلام ترتفع على صروحها، ثم صرنا نرى بالمنظار ازدحام الناس على البحر للاحتفاء بملاقاة حاكمهم، وكان على رأس المستقبلين ولي العهد وابن الحاكم الشيخ جابر والشيخ ناصر النجل الثالث للحاكم مع أحفادهم وأهل بيتهم، إضافة إلى وجهاء الإمارة. واصطف الجنود الكويتيون على الساحل وهم يحملون بنادقهم ويمتطون الجياد، ولما اقترب اليخت، قاموا بإطلاق النار في الهواء ترحيباً بوصول الشيخ مبارك. وعندما وصلنا إلى المرسى، قدم ولي العهد والمستقبلون للسلام على الحاكم الذي أخذ يسألهم عن أحوالهم، وبدأت جموع المستقبلين تردد «فليَحْيَ شيخنا مبارك»، ثم سار الشيخ مبارك بموكبه إلى السراي بقصره يتبعه آل بيته والأعيان.

البصرة 1951

عندما نرى العراق وما حل به في وقتنا الحاضر، نتشوق لمعرفة كيف كانت مدنه في الماضي. يصف لنا كافن يونغ البريطاني الذي وصل البصرة في 1951، كيف كانت هذه المدينة الشهيرة بالتمور ومينائها التجاري الحيوي، يقول: عندما دارت الطائرة حول مطار البصرة، شاهدت البواخر التجارية الراسية وسط شط العرب. كانت البصرة هي الميناء العراقي الوحيد القادر على استقبال بواخر شحن القمح والشعير الآتية من حقول الغراف والعمارة، وتمتد على ضفتي الشط ولمسافة أميال، خطوط خضراء لأشجار النخيل الشهيرة في جنوب العراق، وتنتشر المنازل التي يقطنها عمال شركات التمور. ويكتظ الحي القديم في البصرة بالبيوت العربية ذات الأبواب الخشبية والشناشيل المائلة فوق رؤوس المارة الممتدة من شط العرب، والتي ترتبط به عن طريق نهر طويل يجري مجتازاً مبنى الحاكم، ثم يمر بأسواق منطقة سكنية هي «العشار». وفي الصيف يرسو الملاحون القادمون من الخليج وزنجبار ويتجولون على جانب النهر، وتتميز البصرة بكثرة قنواتها ما يزيد في رطوبة الجو، وبسبب تلك القنوات سميت البصرة «فينيسيا الشرق».