الهدية.. ترجمة المشاعر المرهفة

كلما كانت بسيطة كانت معبرة
20:55 مساء
قراءة 6 دقائق
تحقيق: سارة خالد دبدوب

التهادي من السلوكيات الدينية والاجتماعية المهمة التي يحرص كثر عليها فتجدهم يتبادلون الهدايا في الأعياد والمناسبات المختلفة، والهدف الأهم من ذلك هو مد جسور المحبة بين المتهادين وإن كان الأمر لا يخلو من أغراض أخرى في بعض الحالات، وفي العموم تبقى الهدايا، أياً كان ثمنها، تلخيصاً لمعان كثيرة تسود بين المتهادين سواء كانوا أقارباً أو أصدقاء أو زملاء أو أزواجاً، وأبرز هذه المعاني، أنها عنوان للمحبة بأشكالها المختلفة.

إن الإهداء الطيب يزيد الوصال، وإذا كان هذا يحدث من أقرب الناس إلى الإنسان كالزوج إلى زوجته أو العكس، أو الابن أو الابنة للوالدين أو العكس، أو من الزميل أو الصديق، فهذا يعطي الهدية قيمة نفسية كبيرة لدى الشخص، لأن قيمة الهدية ليس بثمنها المادي، إنما هي في قدرتها على التعبير عن المشاعر الإنسانية لأن الإنسان يحتاج دائماً إلى الدعم النفسي المستمر من المحيطين به والأقارب في صورة مختلفة من صور التهادي.

الهدية الآن أصبحت من المظاهر الاجتماعية التي يشوبها بعض الزيف والتملق لكنها في السابق كانت من القلب، وكانت الوردة تعتبر من أجمل الهدايا وأغلاها، ولكن الآن أصبح هناك مبالغة وتكلف في التهادي، الأمر الذي أفرغ الهدية من معناها، ونعلم أن الهدية كلما كانت بسيطة كانت معبرة أكثر لأن الهدف منها ليس المادية، بل المعنوية وتحقيق الترابط والتواصل ما بين الأفراد والجماعات والأسر.

الهدية تقدم بوصفها رمزاً أو وسيلة للتعبير عن الحب والمشاعر الإنسانية الصادقة التي نخصها لأشخاص يحتلون في قلوبنا مكانة عظيمة، وليس المهم أن تكون الهدية غالية لكي تكون مؤثرة، ولكنها تعطي صورة عن مدى تقديرنا لمن سنقدمها له. أسلوب الهدايا الملزمة، أن تجري المبادلات في صورة هدايا تقدمها الجماعات والأفراد بعضهم إلى بعض في مناسبات معينة كثيرة الحدوث والتكرار: مثل (الولادة، والزواج، والأعياد الدينية، وعلى المهدى إليهم أن يردوا إلى المهدين في مناسبة أخرى هدية تزيد قيمتها غالباً.

الهدايا ليست في كل الأحوال عينية وغالية الثمن، بل يمكن أن تكون كلمة طيبة، لأن الهدية من دون الكلمة الطيبة والمشاعر النبيلة لا تأثير لها، والاهتمام بمن قدم لك هدية أن تهديه في أقرب مناسبة، لأن من يعطي دائماً يمل العطاء خصوصاً ما بين الزوجين، لأن الزوج الذي يظل يحرص على تقديم الهدايا لزوجته في كل المناسبات ولا تبادله زوجته الهدايا، سيمل ويوقف تقديم الهدايا، لأنه هو الآخر يحتاج إلى من يبادله العطاء والحب والمشاعر والعطف، والهدية ليست مادية بقدر ما هي مشاعر تترجمها الهدية، وهدية الزوجة لزوجها مهما كانت بسيطة، فإنها تعني له الكثير وتقربه منها.

إن المناسبات السنوية كأعياد الميلاد وعيد الحب وذكرى الزواج وغيرها من المناسبات الخاصة هي أيام خاصة جداً في حياة المرأة، والبعض من الرجال لا يهتمون بهذه المناسبات قدر اهتمام المرأة بها، ولذلك فهي تحب أن تعيش خلال هذه المناسبات حالة من الحب والوئام والرومانسية مع نصفها الآخر ومع أسرتها، ولذلك فهي قد تحزن إذا لم تشعر بالتقدير والحب في هذه المناسبات.

الهدية لها رمزيتها المعنوية قبل المادية حين تقدم من شخص لشخص وتعتبر من الوسائل للتعبير عن المشاعر وأحياناً تكون الهدية للتواصل والتعرف إلى أشخاص جدد.

هل هناك تطور في تبادل الهدايا بين الزوج والزوجة؟ هل هي ما زالت بسيطة وتدخل السعادة إلى قلب الآخر؟ أم أصبحت الهدايا تحدد من قبل إحدى الزوجين؟
تقول هدى سعيد: «في أول فترة زواجي كان زوجي يهديني باقة ورد أو زجاجة عطر، وكان ذلك يرضيني ويشعرني بالسعادة، أما بعد ما أرتني صديقاتي ما يعطي لهن أزواجهن من هدايا مختلفة كهاتف خلوي، كاميرا ديجيتال، حقيبة يدوية... بدأت أرى أن الهدايا التي يهديني إياها زوجي بسيطة ولا تعني لي شيئاً، ومن ثم أصبحت أحدد ما أريد من هدية قبل أن يأتيني بشيء لا أرغبه».
وعبرت هنية العريض عن أنه لا يمكن فصل الهدية عن الفترة التي سبق وارتبطا بها كزوجين، ﻷنها تحدد ماهية الهدايا التي سيقدمها كل منهما للآخر، ولو أن المتعارف عليه أن يقوم الرجل بتقديم الهدايا للمرأة في أغلب اﻷحيان، والتي تبدأ عادة بوردة ومن ثم بباقة من الزهور، والهدايا الرمزية تعبيراً عن الحب، ويتركز اختيار الرجل لهداياه في هذه المرحلة على الإيحاء للزوجة ولفت نظرها إلى ما يريده ويرغبه منها، فزوجها يجلب الهدايا لها في كل مناسبة كعيد ميلادها وعيد زواجهما وأول لقاء، ولكن بعد مرور سنوات طوال، يقل تبادل الهدايا بينهما، وأدركت هنية أن الهدية ليست مادية، بل هي معنوية كابتسامة منه أو كلمة طيبة قد تغنيها عن الهدية.

يقول محمد الحسن: «تبادل الهدايا بين الأزواج شيء ذو قيمة ويترك أثراً طيباً بين كل من الزوج والزوجة، إنني لا أنتظر مناسبة معينة كعيد ميلاد أو زواج، لأهدي زوجتي، بل بين كل حين وآخر، أتبادل معها الهدايا، لأني أعتبرها توطد العلاقة الزوجية، ولكنها ليست العامل الأساسي، من الممكن أن يترك الكلام الطيب أثراً طيباً ورائعاً بين الأزواج، وقد لاحظت بعض التطور الحاصل بين الأزواج، من حيث أن بعضهن يحددن الهدية التي يريدنها وقد تكون فوق طاقة الرجل، ولكن يأتي بها لإرضائها، وعلى المدى البعيد أرى أن ذلك يمكن أن يضعف العلاقة الزوجية».

يقول ربيع محمد: «في السابق كان للهدية معنى وقيمة أكثر من الآن، لأن الزوجة أصبحت في هذه الأيام تحدد الهدية التي تريدها، كالأجهزة الإلكترونية، ملابس جديدة، ساعة يد، خاتم، أو بعض المجوهرات الأخرى، ومن ناحيتي فزوجتي في بعض الأحيان تلمح تلميحاً إلى ما تريد، فأعطيها ما تحب، ولكن في بعض الأحيان آتي لها بهدية على ذوقي، وفي كل مناسبة أعطيها هدية، حتى لا تشعر بالتقصير، وبين الحين والآخر أجلب لها وردة، أو باقة ورد، حتى لا تشعر أني في المناسبات فقط أعطيها هدية، ولا شك أن تبادل الهدايا يعزز العلاقة الزوجية».

ترى جمانة عبد الخالق أن تطلب المرأة هديتها أفضل من أن يأتيها زوجها بشيء لا يعجبها وإذا وجد مناسبة ما، فإنها تبدأ التلميح قبل فترة بما تريد من هدية ليأتي بها زوجها، وأما زوجها محمد سعد فيقول: «إن هذا التطور في طلب المرأة لهديتها ليس لصالحي، وهذا يقلل من قيمة الهدية، ويذهب بهجتها، ولكنني أحاول إرضاء زوجتي قدر الإمكان لكسب حبها وودها».
تقول ثريا لبس: «إن الهدية لها قيمتها المعنوية قبل المادية، وأتبادل الهدايا بيني وبين زوجي في المناسبات، وفي عيدي الفطر والأضحى، ولكن لا أحدد الهدية التي أريدها، لأنني واثقة في زوجي، وأن ما سيأتي به سوف يعجبني».

أحد أنواع المجاملة

يقول د. صلاح عبد الحي، اختصاصي في علم النفس: «الهدية في حدّ ذاتها نوع من أنواع المجاملة، وأسلوب من أساليب الودّ بين الزوجين، وتستطيع أن تزيل الشحنات في الحياة الزوجية، ولكن هذا إذا أخذت الهدية في إطارها الطبيعي، أي أن تأتي من دون فرضها سواء من الزوج أو الزوجة.

ويضيف عبد الحي: عندما تصبح الهدية فرضاً، فقد انقلبت الهدية إلى واجب من الواجبات، أو حق من الحقوق التي فرضها أحد الطرفين على الآخر، وسوف تفقد الهدية هدفها الأساسي أو قيمتها، ومن الممكن أن يؤدي هذا إلى جفاف وفتور العلاقة الزوجية. ويتابع قائلاً: قد تكون الهدية بسيطة أو غالية الثمن، ولكن قيمة الهدية ليس في ثمنها، بل في القيمة المعنوية التي تعطيها لأحد الطرفين.
وينصح الدكتور صلاح بأن تعود الهدية إلى حالتها الطبيعية، حتى تكتسب معناها الحقيقي.

فرضها يهدد الحياة الزوجية

يقول د. مالك اليماني، اختصاصي في علم النفس: «فرض الهدية من القضايا التي تهدد الحياة الزوجية وتؤدي إلى مشاكل وخلافات كثيرة بين الزوجين، فالفرض يخلق نوعاً من الجفاف، ومع الأيام تتحول الهدية إلى مصدر قلق وتهرّب منها، والأجمل أن تأتي الهدية عفوية ومفاجئة وستؤدي دورها الصحيح الفعال بإسعاد الطرفين»، وينصح اليماني بترك الهدية إلى مفهومها السائد بين الناس وعدم فرضها أو المبالغة فيها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"