أبجدية الوجود

فكرة
04:01 صباحا
قراءة دقيقتين

عثمان حسن

على مسافة قريبة من الوجد والجوارح كانت القراءة وكان العربي يقلب صفحات التاريخ ويقرأ أبجديات الفلسفة، والمنطق، والأدب، ويشارك العالم نور الفكرة وبذخ الصورة المنقوشة في الكتب.

على مسافة قريبة من الوجد والجوارح، كانت القراءة، وكانت الكتب أبجدية حدودها العلم والأدب والشغف والمعرفة وفيوضات من خبرة الاكتشاف والزهو والإنجازات.

اقرأ.. لتفهم.. لتعرف.. لتكتشف.. ولتستمتع، هذه هي حدود وعلامات وإشارات القراءة التي خبرها العربي، فتمجد وعرف وتفاخر، وحين هجرها توقف وتقوقع وتأخر وحزن وتأسى.

إنها القراءة، من يعجز الإنسان عن تعداد فوائدها ومنافعها، في التطور واكتساب المهارات، وتنمية السلوك، وتحديد مكان ومكانة الفرد في المجتمع وفي العالم.

هي القراءة، تلك التي تتيح لنا فرصة تنظيم ما عندنا من مفردات، وأدوات، وتراث، وكنوز، لنشتبك مع العالم بروح صاعدة، فيها قدر كبير من الحكمة، والجدل، والتفاؤل، والقدرة على التغيير نحو الأفضل.

قراءة بطعم الحياة؛ بل هي كما وصفها المفكر والكاتب الكبير عباس محمود العقاد «تعطيني أكثر من حياة واحدة؛ لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق، وإن كانت لا تزيدها بمقادير الحساب.

شغلت القراءة الكثير من كتّاب ومفكري العالم، وقلما تجد كاتباً أو مفكراً مرموقاً إلا وكتب عنها وعن فوائدها، ودوّن في مفكرته ما جادت نعمة «القراءة» عليه وعلى فكره.

ألبرتو مانغويل.. عرف القراءة وهام بالكتب والمكتبات، حتى صارت القراءة والمكتبة هوسه المحبب، فأوقف أحلامه على هاتين الأيقونتين الفريدتين في عالم الفكر والأدب.. فكتب «تاريخ القراءة» و«المكتبة في الليل».

مانغويل بعشقه للكتاب يقاوم عالم الاستهلاك الذي صار هو الحاكم والمحرك للحياة على كوكب الأرض، وينعى انصراف الناس عن القراءة وتحولهم إلى كائنات استهلاكية تشتري وتلهث وراء كل منتج جديد باستثناء الكتب، كتب عن القراءة: «أما ما يُكتب فيبقَى وأما ما يقال فتذروهُ الرياح».. وكتب أيضاً: «عندما تقرأ استقبل المعاني بقلبك».

أما فولتير، ابن حركة التنوير الأوروبية، فيقول: «حين سُئلت عمن سيقود الجنس البشري؟ أجبت: الذين يعرفون كيف يقرؤون».

تظل القراءة، هذه الملهمة، والساحرة، صاحبة القدرة على التهذيب وسمو التفكير، دليل الكاتب والمثقف إلى الحرية والتسامح ونبل الأخلاق، وبوصلته نحو معرفة النوازع الإنسانية، وبكل تأكيد احترام الثقافات الإنسانية، والقراءة قيمة أزلية ستظل في الماضي والحاضر والمستقبل، رافعة الإخاء والسلم البشري، فهي عتبة من عتبات «الأنسنة» وهي ضالة المفكرين والعلماء لتطوير العقول. والقراءة سردية بشرية، تنهض بالفكر والثقافة وترتقي بمستويات المنطق والتفكير.

ومن يمتلك رغبة في القراءة، لا شك بأنه سيعرف أكثر، ويحيا على نحو مختلف، ويهجس بالتأملات والخبرات على نحو مختلف أيضاً؛ ذلك لأنه خبر معنى التجديد والإبداع، ووصل إلى مرحلة الكمال بين العقل والوجدان.


[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"