هل يفلت ترامب من فخ «الديمقراطيين»؟

05:30 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. محمد فراج أبو النور*

يواجه الرئيس الأمريكي ترامب عاصفة من الاتهامات والمشكلات تهب عليه من كل صوب، بما في ذلك من داخل إدارته، ومن داخل البيت الأبيض ذاته. ويجري الحديث علناً عن إمكانية بدء مجلس النواب، ذي الأغلبية الديمقراطية، في اتخاذ إجراءات للتحقيق مع الرئيس، تمهيداً لمحاولة عزله، وبغض النظر عن صعوبة تحقيق ذلك في ظل الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ، فالمؤكد أن ترامب يواجه موقفاً عصيباً.
بدأت أربع من لجان «النواب» في إجراء تحقيقات حول اتهامات موجهة إلى ترامب من أخطرها «احتمال إساءة استخدام السلطة» و«الفساد» و«عرقلة سير العدالة». كما بدأ «التنقيب» مجدداً في قضايا كان يبدو أن ترامب قد عبرها - أو كاد - مثل الاتهام بالتواطؤ مع روسيا للتأثير في الانتخابات التي انتهت بفوزه بالرئاسة، واللجان الأربع هي:
1 لجنة الشؤون القضائية.. وقد دعت عشرات من مساعدي ترامب السابقين والحاليين سواء في إدارته أو في شركاته للشهادة أمامها، وطالبتهم بتقديم المستندات المتصلة بموضوعات شهاداتهم.. وهي تتعلق بممارسة ترامب لمهامه الرئاسية ونشاطه في مجال البزنس، كما استدعت للشهادة جهات مثل مكتب التحقيقات الفيدرالية، وموقع ويكيليكس. وطلبت اللجنة شهادات ووثائق حول علاقات ترامب ومساعديه بأطراف روسية «ومشروعه لبناء برج يحمل اسمه في موسكو»، وحول إقالة جيمس كومي مدير ال«إف. بي. آي» الذي كان قد بدأ التحقيق في علاقة حملة ترامب الانتخابية بروسيا.
2 لجنة المخابرات.
3 لجنة الشؤون الخارجية.
4 لجنة الرقابة والإصلاح.
وقد طلبت اللجان الثلاث من البيت الأبيض ووزارة الخارجية تقديم معلومات تفصيلية عن اللقاءات التي جمعت ترامب بالرئيس الروسي بوتين بشكل منفرد (وخاصة قمة هلسنكي) مع طلب شهادة المترجم الذي حضر القمة.. وكذلك عن الاتصالات الهاتفية بين الرئيسين.. وما إذا كان لهذه اللقاءات والاتصالات تأثير على السياسة الخارجية الأمريكية.
هي إذن خطة شاملة ودقيقة أعدها النواب الديمقراطيون «لاصطياد» ترامب، تضاف إليها تحقيقات لجنة «مولر» الاتحادية حول علاقات حملة ترامب الانتخابية بالروس، واعترافات اثنين من محاميه حكم عليهما بالسجن في قضايا مالية لها علاقة بالحملة.
هذه الحملة الضارية والمنظمة جيداً تفتح الباب واسعاً لاحتمال محاكمة ترامب أمام مجلس النواب، ذي الأغلبية الديمقراطية، وإدانته من جانب المجلس.
لكن المسافة واسعة بين إدانته والمطالبة بعزله من جانب «النواب» وبين عزله فعلا.. لأن العزل يتطلب موافقة مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الجمهورية، والذي يستبعد كثيراً أن يوافق على العزل، اللهم إلا إذا ثبتت إدانة ترامب بوضوح في عدد من أخطر الاتهامات الموجهة إليه مثل التواطؤ الصريح مع الروس في المعركة الانتخابية، والإضرار بمصالح أمريكا الخارجية بسبب هذا التواطؤ، أو التهرب الضريبي.. علماً أن الحكم القاطع في مثل هذه القضايا يظل صعبا.. ويمكن تحميل المسؤولية عنها لآخرين من مساعدي الرئيس.. كما أن الآراء في بعضها - كالسياسة الخارجية - يمكن أن تتفاوت. وإذا كان الأمر كذلك، فبديهي أن الجمهوريين لا يمكن أن يوافقوا على عزل ترامب، بما يعنيه ذلك من إضعاف شديد لموقفهم السياسي والانتخابي، وهم على أبواب انتخابات رئاسية وتجديد نصفي للكونجرس.
لذا، فالمرجح جدا أن تفشل خطة عزل ترامب. إلا أن ذلك لن يثني الديمقراطيين عن بذل كل جهد ممكن لتلطيخ سمعته وإضعافه سياسيا، بما يمثله ذلك من إضعاف للجمهوريين من ناحية، ومنع ترشح ترامب لولاية ثانية من ناحية أخرى.
لكن تحقيق هذا الهدف الأخير لا يبدو مؤكدا أو سهلا بالرغم من الحشد السياسي والإعلامي الهائل وضراوة الحملة ضد ترامب، وعلى الرغم من الإساءة التي ألحقها بهيبة منصب الرئاسة، وطريقته الخشنة والمزاجية في التعامل مع مساعديه ومرؤوسيه، وكثرة الاستقالات والإقالات في صفوفهم..ويرجع ذلك للأسباب الرئيسية التالية:
1 مستوى شعبية ترامب المرتفع لدى ناخبي الحزب الجمهوري: فقد جاء ترامب إلى الحكم رافعا شعار: «أمريكا أولاً» الذي يغازل مشاعر الجمهور الأمريكي البسيط، وخاصة ذوي الميول الشعبوية اليمينية، وانتهج سياسة اقتصادية «حمائية» وأشعل الحروب التجارية ضد الحلفاء والمنافسين على السواء، واعداً الأمريكيين بزيادة الصادرات وتقليص الواردات وخلق الوظائف، ومثيرا لمشاعرهم القومية.
غير أن النتائج كانت عكس ما وعد به، فقد ارتفع العجز التجاري عام 2017 عن العام السابق بمقدار (61 مليار دولار) ليصل إلى (566 مليار دولار) ثم ارتفع العجز الإجمالي عام 2018 بما قيمته (55 مليار دولار) ليصل إلى (621 مليار دولار).. أما العجز التجاري في البضائع فبلغ (891 مليار دولار) وهو أكبر عجز سلعي في تاريخ أمريكا (حسب أرقام وزارة التجارة الأمريكية/ الأهرام - 8/3/2019).. لنلاحظ أن صادرات أمريكا من الخدمات تقلل من أرقام العجز السلعي عند حساب العجز الإجمالي.. ونلاحظ أيضا أن العجز التجاري الأمريكي مع الصين زاد إلى (375 مليار دولار) برغم معارك ترامب معها!! كما ارتفع العجز مع المكسيك وكندا.
غير أن أجواء الحروب التجارية والمواجهات السياسية والعبارات الشعبوية، أسهمت في الحفاظ على شعبية ترامب لدى الجمهوريين حتى الآن، بالرغم من هذا الفشل.
2 دعم لوبي احتكارات السلاح: ذلك أن برنامج ترامب لتحديث القوات المسلحة الأمريكية بصورة شاملة، يفتح الباب واسعا لازدهار هذا القطاع.. علما أن الموازنة العسكرية الأمريكية ارتفعت إلى (750 مليار دولار) هذا العام الأمر الذي يعني المزيد من مشتريات السلاح من الشركات الكبرى.. كما تم عقد عدد من الصفقات الخارجية الكبرى.. ويضغط ترامب بقوة على الحلفاء في «الناتو» وغيره لزيادة إنفاقهم العسكري ومشترياتهم من أمريكا.. وتغطية نفقات القوات الأمريكية (وتسليحها) في بلدانهم وهو ما يجعل لوبي احتكارات السلاح القوي يدعم ترامب بقوة.. كما يدعم شعبيته لدى الجمهور «الشعبوي».
3 اللوبي الصهيوني (إيباك)، وغيرها من المنظمات اليهودية، (بالإضافة إلى الاتجاهات المسيحية - الصهيونية).. الذي يلتف بقوة حول ترامب بسبب نقل السفارة الأمريكية في «إسرائيل» إلى القدس والاعتراف بها عاصمة للدولة الصهيونية، ودعمه الشامل لها، ومواقفه العدائية تجاه الفلسطينيين.. وهذه كلها قوى تتمتع بنفوذ كبير في المجتمع الأمريكي.
لهذه الأسباب فإن معركة الديمقراطيين لمنع ترامب من الترشح لولاية ثانية ليست بالمعركة السهلة، على الرغم من طريقته في الحكم، ومن إمكانية إلحاق الهزيمة به في بعض المعارك (مثل: اعتزام شيوخ الجمهوريين التصويت ضد إعلانه للطوارئ، ما قد يتسبب في إلغائها).
وعلى أي حال فإن المعارك الانتخابية لا تزال أمامها فترة طويلة نسبيا.. والشهور المقبلة قد تكون حبلى بالمفاجآت.. والسيناريوهات لا تزال مفتوحة.. ولنتذكر معركة ترامب وهيلاري كلينتون ودروسها، لنعرف أن من السابق لأوانه ترجيح أي سيناريو بعد.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"