العراق.. نفق حكومي مسدود

03:57 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أحمد سيد أحمد *

وصلت عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة إلى طريق مسدود؛ بعد أن أعلن محمد توفيق علاوي، اعتذاره عن تشكيلها؛ وذلك بعدما فشل لمرتين، الخميس والسبت الماضيين، في الحصول على ثقة البرلمان في التشكيلة الوزارية التي قدمها؛ لعدم اكتمال النصاب القانوني للبرلمان.
هذا الفشل يعني استمرار الأزمة السياسية في العراق والاستمرار في الدوران في الحلقة المفرغة، مما يشكل تداعيات سلبية عديدة سياسية وأمنية واقتصادية.

مقاومة الطبقة السياسية

علاوي الذي كلفه الرئيس برهم صالح، بتشكيل الحكومة الجديدة خلفاً لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي؛ وذلك بعد رفض الرئيس صالح ل3 ترشيحات من الكتل السياسية، لم ينجح في الحصول على دعم الطبقة السياسية، ولا دعم الشارع العراقي، ووجد نفسه بين مطرقة الكتل السياسية التي تبحث عن مصالحها وسندان الشارع الذي رفضه منذ البداية، باعتباره من المحسوبين على الطبقة السياسية الحاكمة للعراق، فعلى الرغم من تأييد كتلة «سائرون» بقيادة مقتدى الصدر، وتكتل «الفتح» بقيادة هادي العامري، لتشكيلة علاوي؛ بل وممارسة الضغوط على الكتل السياسية الأخرى؛ لتمرير تكليفه في البرلمان، وصل إلى حد تهديد مقتدى الصدر بأن يحاصر أنصاره البرلمان إذا لم توافق الكتل السياسية على تشكيل علاوي، فإن أغلب الكتل السياسية الأخرى لم تؤيده؛ وذلك حرصاً على مكتسباتها السياسية، فقد قدم علاوي تشكيلة وزارية من التكنوقراط غير المحسوبين على الأحزاب السياسية؛ وذلك في محاولة للخروج من نطاق المحاصصة الحزبية في الحكومة، ولإرضاء الشارع العراقي وكسب ثقته؛ لكن الكتل السياسية قاومت ورفضت الخروج على المحاصصة الحزبية السائدة منذ سنوات عدة، فالكتلة السنية في البرلمان طالبت بأن يكون لها الدور الأكبر في اختيار الوزراء من السنة، وذات الحال بالنسبة للكتل الكردية التي اشترطت اختيار وزرائها في الحكومة من الأكراد؛ للموافقة على منح الثقة لعلاوي، إضافة إلى التباينات داخل الكتل الشيعية في البرلمان، ورفض بعضها تشكيلة التكنوقراط، ما أدى إلى إفشال عملية منح الثقة في الحكومة.

رفض الشارع العراقي

في المقابل، وعلى الرغم من الخطاب السياسي الذي أعلنه محمد توفيق علاوي منذ اليوم الأول لتكليفه من الرئيس برهم صالح بتشكيل الحكومة، والقائم على انحيازه للشارع العراقي والمحتجين، والعمل على تلبية مطالبهم، والخروج من دوامة المحاصصة الطائفية والحزبية، فإنه لم يستطع الحصول على تأييد الشارع العراقي والمحتجين، الذين دفعوا ثمناً باهظاً؛ تمثل في مئات القتلى، وآلاف الجرحى منذ اندلاع الاحتجاجات في أكتوبر/تشرين الأول الماضي؛ حيث اعتبر المحتجون أن علاوي هو جزء من الطبقة السياسية، وكان وزيراً سابقاً في الحكومة العراقية، وبالتالي رفضهم له ليس فقط لشخصه، وإنما رفضاً للطبقة السياسية بكاملها، والمطالبة بطبقة سياسية جديدة، وتغيير الخريطة السياسية، وأسس العملية السياسية، وبذلك بدا علاوي ضعيفاً في معركته في تشكيل الحكومة؛ حيث رفضته الكتل السياسية، ورفضه الشارع، وهو ما أدى بدوره إلى عودة عملية تشكيل الحكومة إلى المربع الأول مرة أخرى؛ حيث يقوم الرئيس برهم صالح بإجراء مشاورات سياسية موسعة مرة أخرى؛ لتكليف شخصية جديدة لتشكيل الحكومة خلال خمسة عشر يوماً.

المرشح التوافقي

معضلة الأزمة السياسية في العراق، تتمثل في كيفية إيجاد المرشح التوافقي الذي يستطيع الحصول على تأييد ودعم الأطراف الرئيسية في المعادلة العراقية، أي تأييد الكتل السياسية المختلفة التي تمثل الطبقة السياسية الحاكمة، وكذلك تأييد الشارع والمحتجين، وكذلك تأييد الأطراف الإقليمية والدولية، خاصة النافذة في العراق؛ مثل: إيران وأمريكا، وهو أمر يبدو صعب المنال، خاصة في ظل استمرار تعارض الأجندات والمصالح بين الأطراف المختلفة، فالشارع العراقي يرفض أي مرشح للحكومة مرتبط أو محسوب على الطبقة السياسية حتى وإن تجاوب مع المحتجين. والكتل السياسية بدورها لن تقبل بمرشح يمس أو ينال من التركيبة السياسية السائدة ومن مكتسبات مزايا ومصالح تلك الطبقة التي تستميت في الدفاع عن نظام المحاصصة الطائفية والحزبية الذي أوجد لها مزايا مادية ومعنوية، وأدى إلى انتشار الفساد في العراق على نطاق واسع، ما جعله ضمن الدول ال10 الأولى عالمياً في الفساد، وطالما أن تمرير رئيس الوزراء يتم عبر البرلمان وفقاً للدستور العراقي، فإن أي مرشح جديد لرئاسة الحكومة سيصطدم بمعارضة الكتل السياسية، كما حدث مع علاوي، كما أن رئيس الوزراء الجديد في حاجة إلى توافق وتأييد من القوى الإقليمية والدولية.

تداعيات سلبية

ولهذا فإن عملية اختيار رئيس وزراء جديد، وتمرير تشكيلته الوزارية؛ تواجه بعقبات وتحديات عديدة، وهو ما يفاقم من التداعيات السلبية في العراق على كافة المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية.
أمنياً، عدم تشكيل الحكومة وتحقيق الاستقرار السياسي؛ يفاقم من حالة عدم الاستقرار الأمني، خاصة مع انتشار أعمال العنف، وسقوط صواريخ الكاتيوشا على المنطقة الخضراء، إضافة إلى استمرار العنف من قبل بعض الميليشيات ضد الشارع العراقي مع سقوط المزيد من الضحايا من القتلى والجرحى في ساحات التظاهر، خاصة في بغداد ومحافظات الجنوب.
واقتصادياً، فإن عدم الاستقرار السياسي والأمني؛ يفاقم من الأوضاع الاقتصادية في العراق الذي يعاني انخفاضاً متدنياً في مستويات المعيشة إلى جانب ارتفاع معدلات البطالة والفقر ونقص الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء، إضافة إلى توقف الاستثمارات الداخلية والخارجية وتعثر عملية التنمية، يضاف إليها الآن وجود تحد جديد مع انتشار خطر فيروس «كورونا» في البلاد وغلق العراق لحدوده مع دول الجوار، ما يؤثر سلباً في التجارة والاستثمار وغيرهما، وبالتالي استمرار حالة الشلل السياسي والاقتصادي في البلاد، بما يفاقم من الأزمة الاقتصادية، كما أن استمرار الاحتجاجات والصراع مع الطبقة السياسية يدخل البلاد في دوامة من الصراع السياسي الذي لن يكون في مصلحة العراق.
الخروج من المأزق الحالي في العراق يتطلب أن تتخلى الطبقة السياسية عن مصالحها الضيقة ومكتسباتها السياسية والاقتصادية، وأن تعلي مصلحة العراق العليا على أية اعتبارات أخرى، كما يتطلب أيضاً فتح قنوات حوار بين الشارع العراقي والمحتجين من جهة، والطبقة السياسية من جهة أخرى؛ من أجل التوصل إلى صيغة توافقية فيما يتعلق بمستقبل البلاد، وإجراء التغييرات السياسية التي تقود العراق إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي، وعلى رأسها الإسراع بتشكيل حكومة توافقية تكون مهمتها الأساسية الإسراع بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وفقاً للقانون الانتخابي الجديد، وتحت إشراف المفوضية المستقلة للانتخابات، وهو ما يؤدي إلى تشكيل برلمان جديد غير قائم على المحاصصة الطائفية والحزبية، وبعدها يتم تشكيل حكومة عراقية تحظى بتأييد الشارع والبرلمان؛ لتقوم بعملية التنمية وإعادة الإعمار، وتحقيق تطلعات الشارع العراقي، والعمل على تغيير الدستور وإلغاء المحاصصة الطائفية، وأن ترتكز المعادلة السياسية في العراق على مبدأ المواطنة الذي يساوي بين جميع العراقيين في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن أية اختلافات عرقية وطائفية ولغوية، ومن دون ذلك سيظل العراق يسير في طريق مسدود.

* خبير العلاقات الدولية في «الأهرام»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"