الهند وباكستان.. حافة الحرب

03:03 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. محمد فايز فرحات *

بعد العملية الأخيرة التي جرى تنفيذها ضد وحدات تابعة للجيش الهندي في 14 فبراير الجاري داخل القسم الواقع تحت السيطرة الهندية من إقليم كشمير المتنازع عليه، والتي راح ضحيتها أكثر من 45 عنصراً أمنياً، تصاعد استخدام الجانبين لغة ومفردات توحي باحتمالات الدخول في مواجهات عسكرية مفتوحة.
يتصاعد التوتر بين الهند وباكستان بشكل يهدد بمواجهة عسكرية واسعة ، إثر قيام الطرفين بغارات جوية متبادلة واشتباكات على الحدود الفاصلة بين البلدين ، كما تتصاعد التهديدات بينهما ، كان أبرز هذه التصريحات تلك التي جاءت على لسان رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، التي تعهد فيها برد قوي على الهجوم الذي استهدف قوات هندية في كشمير وأسفر عن مصرع حوالى 40 جنديا. وأنه قد «أطلق يد الجيش»، وتلك التي جاءت على لسان نظيره الباكستاني، عمران خان، الذي حذر فيها أن «باكستان لن تفكر بالرد فحسب.. باكستان سوف ترد»، وما جاء على لسان المتحدث باسم الجيش الباكستاني، الجنرال آصف غفور، في 22 فبراير، أن باكستان ليست لديها أي نية لبدء الحرب «لكننا سنرد بكل قوة على التهديدات الشاملة بصورة ستفاجئكم.. لا تعبثوا مع باكستان».
عملية فبرايرفي كشمير ليست هي الأولى من نوعها، فقد شهدت السنوات التالية على سبتمبر 2001 تنفيذ عدد من العمليات ضد منشآت هندية، بدءاً من عملية البرلمان الهندي (ديسمبر 2001)، وانتهاء بعدد من العمليات خلال الفترة (2016- 2017) داخل القسم الواقع تحت السيطرة الهندية من إقليم كشمير، ومروراً بعملية مومباي (نوفمبر 2008) التي استهدفت عدداً من الفنادق والمطاعم والمستشفيات ومحطات القطارات، والتي راح ضحيتها أكثر من 190 شخصاً، وجرح المئات واحتجاز عدد من السائحين. لكن مجموعة من العوامل تجعل من عملية فبراير هي الأكثر خطورة بالمقارنة بالعمليات السابقة، على نحو لا يمكن معه التقليل من تداعياتها المحتملة، وتفتح الأزمة الراهنة على سيناريوهات عديدة.
العامل الأول، يتعلق بطبيعة العملية، كونها استهدفت موقعاً ومنشآت تابعة للجيش الهندي، الأمر الذي ينال من هيبة الأخير، وهو الطرف الرئيسي في الصراع التقليدي والتاريخي مع باكستان. فرغم التحولات المهمة التي طالت الطبقة الوسطى والأجيال الهندية الحديثة التي لم تشهد الحروب ال3 الرئيسية (1947، 1965، 1971) مع باكستان، خاصة نخبة الأعمال، والتي باتت تنظر إلى الصراع مع باكستان باعتباره صراعاً سياسياً، وليس صراعاً دينياً، إلا أن الجيش الهندي -والباكستاني أيضاً بالإضافة إلى الجماعات الدينية على الجانبين- ما زال متشبعاً بالإدراكات السلبية والنظر إلى باكستان باعتبارها العدو التقليدي. ويميل الجيش على الجانبين إلى الحفاظ على هذا الصراع كجزء من الحفاظ على المكاسب التاريخية للمؤسسة داخل الحياة السياسية. بهذا المعنى، من المتوقع أن يحرص الجيش الهندي على الرد على هذه العملية، خاصة في ظل قناعة هندية رسمية بوجود علاقة قوية بين الجيش الباكستاني والتنظيم المسؤول عن تنفيذ العملية (جيش محمد)، ما يضعف الحاجة إلى التمييز بين الجيش والتنظيمات الدينية الباكستانية في الرد المتوقع.
العامل الثاني، يتعلق بعدم قناعة الهند بالموقف الباكستاني حول عدم وجود علاقة بين الجيش والتنظيمات الدينية المتشددة، سواء لجهة الدور التاريخي الذي لعبته هذه التنظيمات في أنشطة «الجهاد» في أفغانستان ضد الاحتلال السوفييتي والذي لعبت الدولة الباكستانية دوراً مهماً في تنسيقها، أو لجهة الدور الذي لعبته هذه التنظيمات في الصراع التاريخي بين البلدين، أو لجهة وجود «اتهامات» أمريكية لباكستان بهذا الشأن. ورغم أن هذه الاتهامات كانت تتراجع في مراحل التحسن في العلاقات الأمريكية- الباكستانية، لكنها تمثل أساساً مهماً للرؤية الهندية المتمسكة بوجود دعم رسمي من جانب الجيش الباكستاني لهذه التنظيمات.
وقد تأثر الخطاب الباكستاني سلباً في ظل استمرار وجود جماعة «جيش محمد» ومؤسسها مسعود أزهر، رغم الإجراءات الباكستانية المعلنة ضدهما في مراحل مختلفة. فرغم اعتقال السلطات الباكستانية مسعود أزهر في سنة 2002 وحظر الجماعة في العام نفسه، عقب عملية البرلمان الهندي في ديسمبر 2001، ووضع الجماعة -في الشهر ذاته- على قائمة الخارجية الأمريكية للتنظيمات الإرهابية، لكن الجماعة استطاعت العمل تحت مسميات أخرى مثل تنظيم «الفرقان»، وغيرها، بل ونجاح الجماعة في تنفيذ عدد من العمليات داخل إقليم كشمير الواقع تحت السيرة الهندية. لكن الأهم هو مسعود أزهر، فرغم اعتقاله في 2002، لكن تم الإفراج عنه في ديسمبر من العام نفسه بموجب حكم من محكمة لاهور العليا. ثم عادت السلطة الباكستانية لتعتقله في ديسمبر 2008، لكنه عاد للظهور مرة أخرى في يناير 2014 أثناء إلقائه خطاباً أمام حشد كبير في مظفر آباد دعا فيه لاستئناف الجهاد في كشمير.
وهكذا، هناك خشية من موقف هندي متصلب، وربما إجراءات أحادية الجانب، سواء ضد هذه التنظيمات ورموزها وبنيتها التحتية (كما حدث في 26 ديسمبر 2017 عندما قامت قوات الأمن الهندية بقتل قائد جماعة «جيش محمد» في كشمير نور محمد تانتراي عقب عمليات الأخيرة داخل القسم الواقع تحت السيطرة الهندية من إقليم كشمير خلال عامي 2016، 2017)، أو تنفيذ عمل ضد منشآت الجيش الباكستاني داخل إقليم كشمير الواقع تحت السيطرة الباكستانية.
وأخيراً، تتسم هذه العملية بخصوصية أخرى مهمة تتعلق بوقوعها في مرحلة يسيطر فيها على السلطة حزب «بهاراتيا جاناتا» ذو التوجهات القومية اليمينية، بالمقارنة بحزب المؤتمر ذي التوجهات المعتدلة نسبياً والأقرب إلى فكرة تطبيع العلاقات مع باكستان، الأمر الذي يعزز من التوجه للقيام برد فعل هندي.
لكن مع أهمية هذه العوامل تظل هناك مجموعة من الضوابط التي تحول دون تطور الأزمة الراهنة إلى سيناريو الحرب النظامية المفتوحة. الضابط الأول، يتعلق بالموقف الأمريكي المتوقع للتدخل للحيلولة دون تطور هذا السيناريو، تحت تأثير دوافع عديدة، أبرزها مشروع السلام الجاري مع حركة طالبان- أفغانستان، والذي يتطلب دعماً باكستانياً.
لاشك في أن جر باكستان إلى أي مواجهة مع الهند لن يؤدي فقط إلى تراجع الدعم الباكستاني لهذا المشروع، لكنه سيؤدي أيضاً إلى خلط الأوراق في المنطقة، وتحول أفغانستان إلى ساحة للمواجهة بين باكستان والهند. الضابط الثاني، المهم يتعلق بصعوبة استبعاد الدعم الصيني لباكستان في هذه المواجهة، ليس فقط بالنظر إلى العلاقة الاستراتيجية بين الجانبين، لكن بالنظر أيضاً إلى وجود مصلحة صينية قوية لضمان الاستقرار في باكستان التي أضحت نقطة ارتكاز مهمة في «مبادرة الحزام والطريق» في منطقة جنوبي آسيا. ويفسر ذلك سرعة دخول الصين على الخط، عندما دعا المتحدث باسم الخارجية الصينية في 22 فبراير إلى إجراء «تحقيق موضوعي وعادل.. من أجل اكتشاف الحقيقة».
ومن ثم، يظل السيناريو الأكثر احتمالاً هو عودة نمط الصراع منخفض الحدة بين الجانبين، من خلال تنفيذ بعض العمليات المحدودة أو العمليات بالوكالة، والتي ستظل محصورة في نطاق إقليم كشمير على جانبي خط السيطرة، ولفترة محدودة. وهو نمط يتسم بطبيعته بالتزام الطرفين ببقائه تحت السيطرة الكاملة، رغم أن الجيشين يقفان في حالة تأهب قصوى في مواجهة بعضهما.

* خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"