البيت الأبيض والكونغرس . . تعاون أم تصادم؟

03:24 صباحا
قراءة 6 دقائق
عمرو عبدالعاطي
ستمنح سيطرة الجمهوريين على مجلسي الكونغرس فرصة للتأثير في جميع القرارات والسياسات على المستويين الداخلي والخارجي على حد سواء خلال العامين المتبقيين من ولاية الرئيس أوباما الثانية التي ستنتهي في عام ،2016 ما يُنذر بصراع خلال العامين المقبلين في العلاقة بين الكونغرس بأغلبية جمهورية والبيت الأبيض، خاصة بعد الانقسام الذي كان قائماً بينهما، والذي وصل إلى قمته العام الماضي عندما توقفت الإدارات الحكومية عن العمل بسبب الخلاف بينهما حول الميزانية الفيدرالية . وستكون لنتائج تلك الانتخابات تأثيرات في الاستحقاق الانتخابي الرئاسي والتشريعي في نوفمبر/تشرين الثاني ،2016 وعلى فرص مرشحي الحزبين الكبيرين (الجمهوري والديمقراطي) بالفوز بالمنصب والوصول إلى البيت الأبيض .
مع فوز الحزب الجمهوري بالأغلبية في الكونغرس سنكون أمام سيناريوهين رئيسيين للعلاقة بين البيت الأبيض والكونغرس . يقوم السيناريو الأول على تعاون الحزب الجمهوري مع الرئيس وإدارته في الأمور التي يمكن الاتفاق بشأنها، حيث لا يعني وجود حزب مسيطر على الكونغرس، وآخر في البيت الأبيض، أن يكون هناك صراع مستمر بين طرفي معادلة السياسة الأمريكية على طول الخط، خاصة مع إمكانية تعاون الحزب الجمهوري مع الرئيس وإدارته في القضايا التي تتلاقى رؤيتهما بشأنها . ومن القضايا الداخلية التي يتوقع أن تشهد تلاقياً بين الجمهوريين والإدارة الأمريكية تمويل مكافحة فيروس "إيبولا" في غرب إفريقيا، خوفاً من انتقاله إلى الولايات المتحدة بعد ظهور حالتين داخل الولايات المتحدة مصابتين بالفيروس، والاتفاق على الميزانية حتى لا تشهد الولايات المتحدة توقف الحكومة الفيدرالية عن العمل، كما حدث في العام الماضي، وكذلك السعي إلى خلق مزيد من فرص العمل، وإعادة بناء البنية التحتية، والإصلاح الضريبي، وفتح أسواق لتصدير المنتجات الأمريكية إلى الخارج .
ويتعلق السيناريو الثاني بالتصادم والمواجهة بين الجمهوريين والبيت الأبيض، بتبني الجمهوريين تشريعات يعارضها الرئيس، ما يدفعه إلى استخدام حق النقض (الفيتو)، لاسيما أن الجمهوريين لا يمتلكون 60 مقعداً في مجلس الشيوخ التي تمكنهم من تجاوز الأساليب التعويقية التي سيقودها الديمقراطيون في مجلس الشيوخ أو الفيتو الرئاسي . ويأتي على قمة القضايا الخلافية بين الجمهوريين والبيت الأبيض قانون الرعاية الصحية المعروف ب"أوباما كير Obama Care"، والذي يروج له الرئيس وحزبه على أنه النصر التاريخي للإدارة الأمريكية، حيث يسعى أعضاء الحزب الجمهوري بعد الفوز بالأغلبية في مجلس الكونغرس إلى إلغائه بما يدخلهم في صدام قوي مع الرئيس وحزبه . وقانون الرعاية الصحية ليس هو القضية الوحيدة التي ستدخل الجمهوريين في صراع مع البيت الأبيض، فهناك اختلاف جذري بين الطرفين حول مشاريع قوانين تتعلق بالهجرة غير الشرعية والطاقة والإصلاح الضريبي .
وستؤثر أغلبية الجمهوريين في الكونغرس الأمريكي على السياسة الخارجية الأمريكية خلال العامين الأخيرين من إدارة أوباما، لما يمتلكه الكونغرس من صلاحيات دستورية تمكنه من التأثير في تنفيذ السياسات التي تُصيغها الإدارة . ويأتي في مقدمة الأدوات التي يؤثر بها الكونغرس في تنفيذ السياسة الخارجية تخصيص المخصصات المالية التي من دونها لا يستطيع الرئيس تنفيذ سياساته خارجياً، وكذا سيطرة الجمهوريين على أهم اللجان داخل الكونغرس لاسيما لجني العلاقات الخارجية والقوات المسلحة بمجلس الشيوخ، التي سيكون على رأسها قيادات جمهورية منتقدة بشدة لسياسات إدارة أوباما على الصعيد الخارجي، التي من حقها استدعاء أعضاء الإدارة إلى تقديم شهادات أمام أعضاء الكونغرس والرأي العام حول سياسات الإدارة خارجياً .
واتساقاً مع هذا سيتوجه الرئيس الأمريكي إلى الكونغرس الجديد للحصول على تفويض جديد منه على شن هجمات على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، حيث كان الرئيس يعتمد في هجماته على تفويض سابق من الكونغرس للرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش . ولن يدخل قرار الرئيس الأمريكي بنشر 1500 عسكري إضافي في العراق، لتدريب القوات العراقية والكردية وتقديم إرشادات لهما لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية حيز التنفيذ قبل موافقة الكونغرس على طلب تقدمت به الإدارة الأمريكية لاعتماد مبلغ خمسة مليارات دولار لتمويل العمليات العسكرية في الشرق الأوسط لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام تتضمن 6 .1 مليار دولار لتدريب وتمويل الجيش العراقي لمكافحة "داعش" في العراق .
وعن الموقف مع الأزمة السورية ينتقد الجمهوريون سياسات الإدارة للتعامل مع الأزمة الإنسانية هناك، ويرون أن الإدارة تركت سوريا لروسيا وإيران، بما جعلها أرضاً خصبة للإرهاب والتطرف الذي سينتقل بدوره إلى الأراضي الأمريكية، بعدما امتنع الرئيس عن الانخراط في سوريا حينما سنحت له الفرصة مع استخدام الرئيس السوري الأسلحة الكيميائية ضد مواطنيه في تحدٍ للخطوط الحمر التي كان قد أعلنها أوباما من قبل .
وهذه الانتقادات لن تعني توجها جمهورياً إلى حرب شاملة ضد نظام الأسد، لرفض الأمريكيين - حسب كثير من استطلاعات الرأي - خوض الولايات المتحدة حروباً خارج أراضيها، ولذا لن يضحي أي من طرفي المعادلة بأخذ قرار الحرب الشاملة ضد نظام بشار الأسد لا سيما مع انقسام داخل صفوف الحزب الجمهوري حول التعامل مع سوريا، فهناك تيار يتبنى وجه نظرة متشددة ضد سياسات الإدارة في سوريا مثل السيناتور ماكين في حين لا يرغب آخرون في انخراط أمريكي شامل في أزمات المنطقة مثل السيناتور راند بول، ولكن التركيز سيكون على تقديم الدعم المعنوي والمادي والعسكري إلى المعارضة المعتدلة التي لا ترتبط بعلاقات مع التنظيمات الإرهابية لتقويتها في مواجهة بشار الأسد .
بيد أن هذا الانقسام الجمهوري الذي ظهر حول التعامل مع الأزمة السورية يغيب عند التطرق إلى أزمة البرنامج النووي الإيراني . فمع سيطرة الجمهوريين على الكونغرس الأمريكي فمن المتوقع أن يكون هناك تشدد في مواقف الكونغرس من إيران وبرنامجها النووي، حيث يتبنى الجمهوريون موقفاً متشدداً من البرنامج النووي الإيراني، وسياساتها المتشددة في المنطقة . فقد انتقد عدد من أعضاء الحزب الجمهوري بمجلسي الكونغرس سياسات الإدارة للتقارب مع النظام الإيراني، وتخفيف العقوبات عنها . فالجمهوريون يرون أن إدارة أوباما تساهلت مع إيران في المحادثات النووية، والذي قد يمنح إيران القدرة على إنتاج أسلحة نووية في المستقبل، بما يمثل تهديداً لحلفاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وفي مقدمتهم "إسرائيل" .
ومن المتوقع أن تتزايد انتقادات أعضاء الكونغرس للإدارة بعد كشف صحيفة "وول ستريت جورنال" عن إرسال الرئيس الأمريكي أربع رسائل سرية إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، منذ توليه منصبه في 2009 . وقد تحدث آخر تلك الرسائل التي أرسلت منتصف الشهر الماضي - حسب تقرير الصحيفة - عن تعاون محتمل بين واشنطن وطهران في الحرب على تنظيم "داعش"، على أن يكون هذا التعاون رهناً بالتوصل إلى اتفاق نووي شامل مع إيران في الموعد المحدد لذلك في 24 من الشهر الجاري . وقد اعترفت الإدارة ضمنياً على لسان المتحدث باسمها "جوش ايرنست" بأن مسؤولين أمريكيين ناقشوا بالفعل الحملة ضد "داعش" مع مسؤولين إيرانيين، على هامش المحادثات النووية الدولية . ولذا سيعارض الجمهوريون أي اتفاق نووي أمريكي مع إيران، وسيعارضون رفع العقوبات عن الأخيرة . ومع سيطرة الجمهوريين على مجلسي الكونغرس فلا يُتوقع أن يكون هناك تقدم في عملية السلام أو مشاريع قوانين للضغط على الجانب "الإسرائيلي" لإرغامه على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، نظراً للعلاقات القوية بين الحزب الجمهوري واليمين "الإسرائيلي"، والدعم الجمهوري المستمر للسياسات "الإسرائيلية" في المنطقة .
ولا يعني تمتع الجمهوريين بالأغلبية في الكونغرس الأمريكي انسداد الأفق أمام الرئيس الأمريكي لتحقيق تقدم في قضايا السياسة الخارجية . ولكن العكس هو الصحيح، حيث سيمنح تشدد الجمهوريين في القضايا الداخلية الرئيس التركيز على الشأن الخارجي ليحقق إنجازاً ينهي به إدارته، وبما يساعد حزبه في انتخابات الكونغرس والرئاسة لعام 2016 . ولكن نجاح أوباما في تحقيق طفرات على الصعيد الخارجي في ظل سيطرة جمهورية لن يتحقق إلا بأعضاء جدد في الإدارة، لأن أعضاء ومستشاري الرئيس - بحسب كثير من الاستراتيجيين في الحزب الديمقراطي - كانوا السبب الرئيسي في تدهور شعبيته على الصعد كافة، بما أدى إلى خسارة حزب الرئيس الأغلبية في مجلس الشيوخ وتبديد آماله في السيطرة على مجلس النواب . فالتحدي أمام الرئيس أوباما خلال العامين الأخيرين له في البيت الأبيض ليس صياغة استراتيجية جديدة للسياسة الخارجية الأمريكية، بل مدى قدرته على تنفيذ هذه الاستراتيجية .
تقدم الجمهوريين وحصولهم على الأغلبية في مجلسي الكونغرس لا يعد ضماناً لفوزهم في انتخابات عام ،2016 وإنما فرصة نجاح أي من الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) في الانتخابات المقبلة مرتبط بمدى تقديمهم لأجندة سياسية قوية تعالج السخط الشعبي الذي ظهر في انتخابات الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، خاصة القضايا الاقتصادية باعتبارها المحرك الرئيسي للتصويت في الانتخابات، والتواصل مع القواعد الانتخابية والمؤيدين وتشجيعهم للتصويت في الانتخابات المقبلة .

* باحث في الشؤون الأمريكية - محرر مشارك بمجلة السياسة الدولية - مؤسسة الأهرام

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"