روسيا والصين.. تعاون أم شراكة استراتيجية؟

03:42 صباحا
قراءة 5 دقائق

د. رضا محمد هلال*

منذ خمس سنوات تقريباً لا يمر شهر أو شهران تقريباً دون اجتماع الرئيس الصيني شي جين بينج مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، إما في اجتماعات ومنتديات متعددة الأطراف أو لقاءات قمة ثنائية في بكين وموسكو، ويتم فيها إبرام اتفاقات التعاون الثنائي في كافة المجالات.
بلغت العلاقات بين الدولتين عقب قمة الرئيسين في موسكو يوم الأربعاء الخامس من يونيو الجاري - ومنذ قيامها في عام 1949 - مستوى غير مسبوق من المشاركة والتعاون الاستراتيجي متعدد المجالات إثر توقيع الرئيسين حزمة واسعة من الاتفاقات، على رأسها الإعلان المشترك عن تطوير علاقات المشاركة الكاملة والتعاون الاستراتيجي، بحيث تتضمن مهمات جديدة ومعالم طويلة الأمد؛ بالإضافة إلى أكثر من ثلاثين اتفاقاً في كافة مجالات التعاون المدني والعسكري والأمني والقضايا السياسية والاقتصادية والإنسانية وغيرها فيما بينهما. ومن أبرز الدلالات والأبعاد التي رسختها قمة موسكو بين البلدين ما يلي:
1- توكيد الموقف المبدئي لروسيا والصين تجاه تعزيز الاستقرار العالمي الاستراتيجي؛ وإعلان رفضهما للتوجه الأمريكي الذي يتبناه الرئيس دونالد ترامب، بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقيات الدولية الخاصة، بالحدّ من التسلح عموماً والصواريخ خصوصاً، وإصرارهما على رفض تدمير نظام الاتفاقات العامل حالياً في مجال السيطرة على الأسلحة ونزعها ومنع انتشارها.
ويتواكب مع ما سبق؛ الإعلان الدائم والمستمر لقيادات الدولتين رفضهما للتوجه الأمريكي القائم على فرض الهيمنة الأمريكية واستمرارية النظام العالمي أحادي القطبية بزعامة الولايات المتحدة، وطرحهما في المقابل رؤية جديدة للعالم والسياسات العالمية ترتكز على التعددية القطبية واحترام القانون ومبادئ العدالة وتعزيز المصالح والمكاسب التنموية الاقتصادية لجميع الأطراف الدولية ومنها الدول النامية.
وقد سعت الدولتان لترجمة التعاون والتعاضد الاستراتيجي فيما بينهما في عدة أزمات أثارتها الولايات المتحدة نحوهما على الصعيد السياسي، حيث قررت بكين الوقوف والمساندة إلى جانب موسكو، خلال أزمتها مع الدول الغربية بعد حادثة تسميم العقيد السابق في الاستخبارات العسكرية الروسية، سيرجي سكريبال وابنته يوليا في بريطانيا. كما ساندت روسيا الصين ضد الحرب التجارية التي شنتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الصين. وقام الطرفان بإرسال أكثر من رسالة غضب وتحذير إلى الولايات المتحدة، قوامها مهاجمة القرارات الأمريكية ووصفها بالنهج الأحادي الذي تسعى الولايات المتحدة بموجبها فرض مصالحها الخاصة وتجاهل مصالح الآخرين تماماً، وهي أمور لا علاقة لها بالدبلوماسية.
2- تعزيز التعاون التكنولوجي الثنائي في مواجهة الضغوط الأمريكية: تصاعدت الحرب التجارية الأمريكية تجاه الصين والتي امتدت لشركة هواوي الصينية، حيث قررت الولايات المتحدة في مارس 2019 إدراج شركة صناعة معدات الشبكات والهواتف الذكية «هواوي»، في قائمة سوداء تحظر على الشركات الأمريكية مدّها بالسلع والخدمات التي تمكنها من إنجاز التطورات والمراحل الفنية الخاصة بالجيل الخامس للهواتف المحمولة (G5)، وعقب القرار السابق قررت شركة فيسبوك في بداية يونيو/حزيران 2019 عدم السماح بتثبيت تطبيقاتها ومنها «فيسبوك» و«واتساب» و«إنستجرام» على هواتف شركة هواوي؛ مما يحد من توقعات المبيعات لشركة هواوي، التي أصبحت أعمالها في قطاع الهواتف الذكية أكبر مصدر إيرادات لها خلال عام 2018، مدفوعةً بنمو قوي في دول قارتي أوروبا وآسيا، كما أعلنت شركة «جوجل» أنها لن توفر نظام التشغيل «أندرويد» لهواتف هواوي بعد انتهاء المدة المقررة ب90 يوماً التي منحتها الحكومة الأمريكية، والتي تنتهي في شهر أغسطس 2019. وعلى الرغم من إعلان شركة هواوي عن قدرتها على مواجهة الضغوط الأمريكية، إلاّ أن الجانب الروسي أعلن مساندته للصين ولشركة هواوي خصوصاً بعدة طرق ووسائل منها: رفضه الصريح والواضح للقرارات الأمريكية التي اعتبرها الرئيس بوتين في 5 يونيو 2019، إحدى أدوات فرض الولايات المتحدة هيمنتها على بقية الدول وتعد وصفة للحروب التجارية والحروب الحقيقية التي تشنها الإدارة الأمريكية بدون قواعد، علاوة على أنها محاولة لإجبار شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة هواوي على الخروج من السوق العالمية.
أما الوسيلة الثانية والأفضل فتمثلت في منح روسيا لشركة هواوي، قُبلة الحياة بتوقيع اتفاق شراكة معها لتطوير شبكة الجيل الخامس، حيث وقّعت شركة هواوي مع شركة MTS الروسية اتفاقية شراكة لتطوير وإطلاق شبكات الجيل الخامس من الإنترنت «G5» والإطلاق التجريبي لشبكات الجيل الخامس في روسيا خلال عامي 2019 و2020؛ وهي الاتفاقية التي شهد الرئيسان توقيعها أثناء القمة الثنائية بينهما في روسيا.
وتواكب مع الخطوة الروسية قيام الصين بمنح تراخيص تجارية لتشغيل شبكة الجيل الخامس التي تشرف عليها شركة هواوي، إلى أربع شركات محلية هي تشاينا تلكوم وتشاينا موبايل وتشاينا يونيكوم وتشاينا برودكاستينج نتوورك كوربوريشون، لتقطع بذلك الصين شوطاً كبيراً في مسعاها لأن تصبح الرائدة عالمياً في تكنولوجيا الاتصالات، مما يعزز تقنيات مثل القيادة الذاتية والتشخيص الطبي عن بُعد والدفع عبر الهاتف، وسط منافسة حامية من الولايات المتحدة.
3- التنسيق المشترك وطرح رؤية مغايرة للطرح الأمريكي في قضايا كوريا الشمالية وسوريا وفنزويلا: أكد الرئيسان تطابق مواقف البلدين حول تقييم الأوضاع في شبه الجزيرة الكورية، حيث جرى التأكيد على تبنّي وتطبيق خريطة الطريق الخاصة بالتسوية في المنطقة التي ترتكز على التسوية السلمية والسياسية الدبلوماسية لقضايا المنطقة، بما في ذلك النووية؛ ومواصلة العمل مع الشركاء الكوريين واليابانيين لخفض التوتر في شبه الجزيرة الكورية وتعزيز الأمن في آسيا الشمالية الشرقية بشكل عام. والعمل سويّاً لإيجاد تسوية سلمية في سوريا، والدعوة المشتركة إلى إرساء الاستقرار للأوضاع في فنزويلا، والاحتفاظ بتمسكهما بضرورة التطبيق الكامل لخطوات العمل الشاملة المشتركة الخاصة بقضية إيران النووية.
4- زيادة معدلات التجارة البينية والتعاون العسكري: على الرغم من ارتفاع معدل التبادل التجاري بين الدولتين في الفترة من يناير إلى نوفمبر 2018 بنسبة 27.8% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2017، حيث بلغ 97.23 مليار دولار، وفقاً لبيانات وزارة التجارة الصينية، كما ارتفعت أيضاً الصادرات الصينية إلى روسيا في خلال ذات الفترة بنسبة 12%، وبلغت 43.45 مليار دولار، بينما ارتفعت الواردات من روسيا بنسبة 44.3% لتصل إلى 53.78 مليار دولار. غير أن الرئيسين حدّدا هدفاً استراتيجياً يتمثل في تعزيز التجارة بينهما إلى 300 مليار دولار بحلول عام 2020.
علاوة على ما سبق؛ اعتبرت إستراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018 التي صدرت عن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أن كلاًّ من الصين وروسيا يشكلان خطراً كبيراً ووشيكاً على الأمن الأمريكي - لذا أدرك الرئيسان أنه لابديل أمامهما سوى التنسيق والتحالف معاً مما سيخلق قوة رادعة قادرة على إنهاء الهيمنة الأمريكية.

* باحث وأكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"