أبو لهب وأم جميل حمالة الحطب

قصة آية
01:56 صباحا
قراءة 6 دقائق
تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)} (‬المسد‮: 1-5).‬

هو عبد العزى بن عبد المطلب،‮ ‬المعروف بكنية أبو لهب،‮ ‬هو عم الرسول صلى الله عليه وسلم،‮ ‬وكنيته أبو عتبة‮. ‬مات سنة ‮ ‬624م‮. ‬وهو الأخ‮ ‬غير الشقيق لعبد الله بن عبد المطلب والد النبي‮ ‬محمد‮. ‬عرف عبد العزى بكنية أبو عتبة نسبة لابنه الأكبر عتبة بن عبد العزى بن عبد المطلب،‮ ‬ولكن الاسم المشهور له هو أبو لهب،‮ ‬لقبه إياه أبوه عبد المطلب لوسامته وإشراق وجهه‮. ‬يوم ولادة محمد‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬جاءت جاريته ثويبة وبشرته بميلاد ابن أخيه ففرح لذلك وحررها من الرق‮.‬

كان أول من جهر بعداوة الإسلام لما جهر الرسول بدعوته،‮ ‬ولم‮ ‬يكتف بالمعارضة الصريحة بل عضدها بالعمل والكيد،‮ ‬ومارس شتى أنواع أذى الرسول‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬وصد الناس عنه‮.‬
وهي‮ ‬زوجته المكناة بأم جميل من سادات نساء قريش،‮ ‬اسمها أروى بنت حرب بن أمية،‮ ‬وهي‮ ‬أخت أبي‮ ‬سفيان،‮ ‬وكانت عونا لزوجها على محاربة وإيذاء النبي‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬حيث كانا من أكثر من عذبا أصحابه وتجاوزا عليه،‮ ‬وكانت زوجته أم جميل تجلب الأشواك لتضعها في‮ ‬طريقه بهدف إدماء قدميه‮.‬

الجهر بالدعوة

والقصة تبدأ من وقت أمر الله نبيه بأن ‬يجهر بدعوته،‮ ‬وأن‮ ‬يبدأ بالأقربين‮: «‬وأنذر عشيرتك الأقربين» (‬الشعراء‮) و‬214‮: ‬اشتد ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم،‮ ‬وضاق به ذرعاً فجلس في‮ ‬بيته كالمريض،‮ ‬فأتته عماته‮ ‬يعدنه،‮ ‬فقال‮: ‬ما اشتكيت شيئاً،‮ ‬ولكن الله أمرني‮ ‬بأن أنذر عشيرتي،‮ ‬فقلن له‮: ‬فادعهم،‮ ‬ولا تدع أبا لهب فيهم،‮ ‬فإنه‮ ‬غير مجيبك‮.‬

تحرك النبي‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬لتنفيذ أمر الله،‮ ‬فدعا بني‮ ‬هاشم،‮ ‬وكان عددهم خمسة وأربعين،‮ ‬وأعد لهم مائدة طعام،‮ ‬وأعد نفسه للحديث إليهم فيما دعاهم إليه،‮ ‬وقبل أن‮ ‬يتكلم‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬وقف عمه أبو لهب وقال‮: (‬هؤلاء هم عمومتك وبنو عمك فتكلم ودع الصباة،‮ ‬واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة،‮ ‬وأنا أحق من أخذك،‮ ‬فحسبك بنو أبيك،‮ ‬وإن أقمت على ما أنت عليه،‮ ‬فهو أيسر عليهم من أن‮ ‬يثب بك بطون قريش وتمدهم العرب‮).‬
قطع أبو لهب الطريق على حديث النبي‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬وأنهى كلامه بلومه لوماً شديداً،‮ ‬وقال‮: (‬فما رأيت أحداً جاء على بني‮ ‬أبيه بشر ما جئتهم به‮)‬،‮ ‬وسكت النبي‮ ‬وقرر أن‮ ‬يفوت الفرصة على الصدام مع عمه،‮ ‬ولم‮ ‬يدخل في‮ ‬جدال مع أبي‮ ‬لهب،‮ ‬وآثر تأجيل الكلام إلى موعد لاحق‮ ‬يبادر هو فيه الكلام ويسبق أبا لهب وغيره‮.‬
ومرة أخرى جمع النبي‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬أهله وعشيرته على الطعام،‮ ‬وبادر بالحديث فخطب فيهم خطاباً قصيراً جامعاً فقال‮: (‬الحمد لله،‮ ‬أحمده وأستعينه،‮ ‬وأؤمن به وأتوكل عليه،‮ ‬وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،‮ ‬إن الرائد لا‮ ‬يكذب أهله،‮ ‬والله الذي‮ ‬لا إله إلا هو،‮ ‬إني‮ ‬رسول الله إليكم خاصة،‮ ‬وإلى الناس عامة،‮ ‬والله لتموتن كما تنامون،‮ ‬ولتبعثن كما تستيقظون،‮ ‬ولتحاسبن بما تعملون،‮ ‬وإنها الجنة أبداً أو النار أبدا‮ً).‬

بين موقفين

وعلى هذا تحددت مواقف أهله وعشيرته،‮ ‬بين موقفين،‮ ‬أحدهما‮ ‬يمثله أبو طالب عم رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬فقبل أبو طالب النصرة بمنطق القبلية،‮ ‬ومثل الموقف الآخر أبو لهب الذي‮ ‬ظل مصراً على عدائه للنبي‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬ولدعوته،‮ ‬ورأى فيها تأليباً على بني‮ ‬هاشم،‮ ‬وضياعاً لمصالحه مع قريش‮.‬

كانت الخطوة التالية أن توجه النبي‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬إلى قريش كلها بالدعوة إلى الله،‮ ‬فصعد صلى الله عليه وسلم جبل الصفا،‮ ‬وجعل‮ ‬يدعوهم قبائل قبائل،‮ ‬وينادي‮: ‬«يا بني‮ ‬فهر،‮ ‬يا بني‮ ‬عدي،‮ ‬يا بني‮ ‬عبد مناف،‮ ‬ يا بني‮ ‬عبد المطلب»،‮ ‬نادي‮ ‬على كل بطون قريش حتى اجتمعوا،‮ ‬فدعاهم إلى الحق،‮ ‬فخص وعم،‮ ‬فقال: «يا معشر قريش،‮ ‬اشتروا أنفسكم من الله،‮ ‬أنقذوا أنفسكم من النار،‮ ‬فإني‮ ‬لا أملك لكم من الله ضراً ولا نفعاً،‮ ‬ولا أغني‮ ‬عنكم من الله شيئاً،‮ ‬يا بني‮ ‬كعب بن لؤي،‮ ‬أنقذوا أنفسكم من النار،‮ ‬فإني‮ ‬لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً،‮ ‬يا بني‮ ‬مرة بن كعب،‮ ‬أنقذوا أنفسكم من النار،‮ ‬يا معشر بني‮ ‬قصي،‮ ‬أنقذوا أنفسكم من النار،‮ ‬فإني‮ ‬لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً،‮ ‬يا معشر بني‮ ‬عبد مناف،‮ ‬أنقذوا أنفسكم من النار،‮ ‬فإني‮ ‬لا أملك لكم من الله ضراً ولا نفعاً،‮ ‬ولا أغني‮ ‬عنكم من الله شيئاً،‮ ‬يا بني‮ ‬عبد شمس،‮ ‬أنقذوا أنفسكم من النار،‮ ‬يا بني‮ ‬هاشم،‮ ‬أنقذوا أنفسكم من النار،‮ ‬يا معشر بني‮ ‬عبد المطلب،‮ ‬أنقذوا أنفسكم من النار،‮ ‬فإني‮ ‬لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً،‮ ‬ولا أغني‮ ‬عنكم من الله شيئاً،‮ ‬سلوني‮ ‬من مالي‮ ‬ما شئتم،‮ ‬لا أملك لكم من الله شيئاً».
وجاء أول المواقف المعادية من أبي‮ ‬لهب الذي‮ ‬قال‮: «‬تباً لك سائر اليوم،‮ ‬ألهذا جمعتنا‮»‬،‮ ‬فنزل فيه وفي‮ ‬امرأته قوله عز وجل‮: (‬تبت‮ ‬يدا أبي‮ ‬لهب وتب» (‬المسد:1). ‬

إيذاء علني

كان أبو لهب‮ - ‬عم النبي‮ - ‬في‮ ‬مقدمة الذين آذوا رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬وقد وقف موقف العداء من ابن أخيه منذ اليوم الأول،‮ ‬واعتدى عليه قبل أن تفكر فيه قريش،‮ ‬وكان قد زوج ولديه عتبة وعتيبة ببنتي‮ ‬رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬رقية وأم كلثوم قبل البعثة،‮ ‬فلما كانت البعثة أمرهما بتطليقهما،‮ ‬وقد بلغ‮ ‬من أمر أبي‮ ‬لهب أنه كان‮ ‬يتبع رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬في‮ ‬الأسواق والمجامع،‮ ‬ومواسم الحج ويكذبه،‮ ‬بل كان‮ ‬يضربه بالحجر حتى‮ ‬يدمى عقبيه‮.‬

وكما بدأ أبو لهب‮ - ‬عم النبي‮ ‬وجاره‮ - ‬بالإيذاء العلني‮ ‬له،‮ ‬فقد تجرأ بقية جيرانه‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬فكان أحدهم‮ ‬يطرح عليه رحم الشاة وهو‮ ‬يصلي،‮ ‬وكان أحدهم‮ ‬يطرحها في‮ ‬برمته إذا نصبت له،‮ ‬حتى اتخذ رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬حجرا ليستتر به منهم إذا صلى،‮ ‬فكان رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬إذا طرحوا عليه ذلك الأذى‮ ‬يخرج به على العود،‮ ‬فيقف به على بابه،‮ ‬ثم‮ ‬يقول: «يا بني‮ ‬عبد مناف،‮ ‬أي‮ ‬جوار هذا»،‮ ‬ثم‮ ‬يلقيه في‮ ‬الطريق.

امرأة سليطة

وكانت امرأة أبي‮ ‬لهب‮ - ‬أم جميل،‮ ‬أروى بنت حرب بن أمية،‮ ‬أخت أبي‮ ‬سفيان‮ - ‬لا تقل عن زوجها في‮ ‬عداوة النبي‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬فقد كانت تضع الشوك في‮ ‬طريقه،‮ ‬والقذر على بابه،‮ ‬وكانت امرأة سليطة تبسط فيه لسانها،‮ ‬وتطيل عليه الافتراء والدس،‮ ‬وتؤجج نار الفتنة،‮ ‬وتثير حربا شعواء على النبي‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬وفيها وفي‮ ‬زوجها نزل القرآن‮ ‬يقول‮: «‬تبت‮ ‬يدا أبي‮ ‬لهب وتب،‮ ‬ما أغنى عنه ماله وما كسب،‮ ‬سيصلى ناراً ذات لهب،‮ ‬وامرأته حمالة الحطب،‮ ‬في‮ ‬جيدها حبل من مسد‮»‬،‮ ‬فلما سمعت ما نزل فيها وفي‮ ‬زوجها من القرآن أتت رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬وهو جالس في‮ ‬المسجد عند الكعبة،‮ ‬ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وفي‮ ‬يدها فهر‮ (أي‮ ‬بمقدار ملء الكف‮)‬، من حجارة،‮ ‬فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬فلا ترى إلا أبا بكر،‮ ‬فقالت: «يا أبا بكر،‮ ‬أين صاحبك؟ قد بلغني‮ ‬أنه‮ ‬يهجوني،‮ ‬والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه،‮ ‬أما والله إني‮ ‬لشاعرة، ثم قالت، مذمما عصينا،‮ ‬وأمره أبينا،‮ ‬ودينه قلينا»‮ ‬ثم انصرفت،‮ ‬فقال أبو بكر: يا رسول الله،‮ ‬أما تراها رأتك؟ فقال: «ما رأتني،‮ ‬لقد أخذ الله ببصرها عني».

وقالت أم جميل لولديها‮: ‬رأسي‮ ‬برأسيكما حرام إن لم تطلقا بنتي‮ ‬محمد،‮ ‬فقاما بتطليق أم كلثوم ورقية،‮ ‬وقال عتيبة‮: ‬لأذهبن إلى محمد وأوذيه،‮ ‬فذهب إليه قبل خروجه إلى الشام،‮ ‬فقال‮: ‬يا محمد أنا كافر بالنجم إذا هوى وبالذي‮ ‬دنا فتدلى،‮ ‬ثم تفل في‮ ‬وجه الرسول ورد عليه ابنته وطلقها،‮ ‬فقال الرسول صلى الله عليه وسلم من شدة حزنه‮: ‬اللهم سلط عليه كلباً من كلابك‮. ‬عاد عتيبة إلى أبيه فأخبره ثم خرجوا إلى الشام فنزلوا منزلاً،‮ ‬فأشرف عليهم راهب من الدير وقال‮: ‬إن هذه أرض مسبعة‮. ‬فقال أبو لهب لأصحابه‮: ‬أغيثونا‮ ‬يا معشر قريش هذه الليلة فإني‮ ‬أخاف على ابني‮ ‬عتيبة من دعوة محمد،‮ ‬فجمعوا جمالهم وأناخوها حولهم وأحدقوا بعتيبة،‮ ‬فجاء السبع‮ ‬يتشمم وجوههم حتى ضرب عتيبة فقتله‮.‬


محمد حماد

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"