مدرسة النبوة ... الموت

00:45 صباحا
قراءة دقيقتين
لفظ مخيف، وعنوان مزعج ونبأ مفزع وخبر مذهل، وشبح مبهر، الموت هو المصير المحتوم، والمآل المكتوب والغائب المرهوب، والغائب المكتوب، هو إعلان الخاتمة، ونذير النهاية، هو المشهد الأول من مشاهدة الآخرة، والمحطة الأولى من محطات الأمم المسافرة، قصم الله به ركاب الجبابرة، وكسر به ظهور الأكاسرة، وقصر به آمال القياصرة، ونقلهم من القصور إلى القبور، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود.الموت مخلوق غامض غريب، احتار الناس في أمره وعجز الأطباء في دفعه، شجاع يتسلق الجدران، ويصعد الحيطان، ويجوب الفيافي، والقفار، ويعبر البحور والأنهار، لا يحتمى منه بقلاع، ولا يمتنع منه بحصون، قال تعالى: أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة.لا يخلص منه المهرب، ولا ينجي منه الفرار قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم.الموت زائر لا يستأذن، وضيف لا يعرف المجاملة وباطش لا ترده الواسطة، يستوي عنده الكبير والصغير، والأمير والخفير، ليس لقدومه زمن معين، ولا لهجمته وقت معلوم، يدلف في السحر، ويقدم في الظهيرة، ويبهت في الغفلة، ينزل الراكب عن دابته ويبطش بالملك على كرسيه.يأخذ العريس في ليلة عرسه، ويختطف الحسناء في يوم زفافها، ويقبض صاحب المنصب في أول أيامه، وأولى ساعاته، يحول الأفراح إلى أتراح، والسعادة إلى شقاء، وأيام الأنس إلى نكد، وليالي الفرح إلى مأتم، والضحك العريض إلى بكاء مرير.لقد شغل الناس عن ذكره وتغافلوا عن خطبه، غرتهم الحياة، وألهاهم الأمل: ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون.قال صلى الله عليه وسلم: أكثروا من ذكر هازم اللذات هذا أمر من المصطفى ونداء من الحبيب وتوجيه من الأمين وقد سئل صلى الله عليه وسلم: من أكيس الناس وأحزم الناس؟ فقال: أكثرهم ذكراً للموت وأشدهم استعداداً للموت أولئك الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة، (رواه الطبراني).كان عمر بن عبدالعزيز يجمع الفقهاء كل ليلة فيتذاكرون الموت والقيامة والآخرة ثم يبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة فأكثروا من ذكر هازم اللذات واللجوء إلى رب الأرض والسماوات، وكفى إغراقاً وانغماساً في الشهوات ولنعتبر بمن نشيعهم كل يوم من الأموات ولنتذكر حينما نحمل على الأعواد ونمسي أول ليلة في القبر في معزل عن الأهل والأولاد.نسأل الله الرحمة والعافية والسلامة، كما نسأل أن يرضى عنا إنه نعم مسؤول وخير مأمول.وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصبحه وسلم.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"