ميشيل روكار: الوعي العالمي بقضايا البيئة لم يكتمل

رئيس وزراء أسبق وسفير فوق العادة إلى القطبين
02:52 صباحا
قراءة 6 دقائق
إعداد: محمد هاني عطوي

أكثر من مليار طن من الجليد يذوب من سطح الكرة الأرضية كل يوم، وعلى هذا المعدل، من المتوقع أن ترتفع مستويات البحار 4 أمتار في نهاية القرن، هذا الذوبان انطلق بسرعة عالية منذ عصر الثورة الصناعية، وغدت ظاهرة الاحترار أمراً لا مفر منه، كما أصبح ضلوع النشاط البشري في تفاقم هذه الظاهرة شيئاً لا يحتاج إلى دليل، فانبعاثات ثاني أكسيد الكربون ازدادت بنسبة 40% منذ العام 1750 و20 % منذ العام 1958.
ولو استمرت الحال على ما هي عليه من المتوقع ارتفاع درجة حرارة الأرض نحو 5 درجات مع بلوغ العام 2100.
ولا شك أن نتائج هذا الأمر مناخ مضطرب بشكل متزايد (فيضانات، أراض جافة، اختفاء مساحات من اليابسة أمام تقدم متزايد لمياه البحر انقراض أنواع عدة من الكائنات الحية)، وبالتالي لن يكون بإمكاننا التغلب على كل هذه النتائج قبل عشرات السنين، في حالة العمل بجد على الحد من انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحترار.
مجلة «باري ماتش» الفرنسية تتابع هذه الموضوع قبل انعقاد مؤتمر باريس الخاص بالمناخ في ديسمبر/‏‏‏كانون الأول 2015 وتحاول تحليل التهديدات التي تواجه الكوكب جراء هذه الظاهرة، كما تحاول البحث عن الحلول المناسبة لمواجهتها من خلال مقابلات مع شخصيات فاعلة مهتمة بقضايا المناخ أمثال ميشيل روكار رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق في حكومة الرئيس الراحل فرانسوا ميتران الذي يعتبر سفيراً فوق العادة إلى القطبين.

} عندما تكون رجل سياسة، يجب التوفيق بين رؤية بعيدة المدى وضرورات قصيرة الأجل.

ولكن قبل تغطية جميع الأسطح بالألواح الشمسية، كيف يمكن إقناع الجمهور أن التضحيات في مجال الطاقة ضرورية في سياق الأزمة الاقتصادية؟

هناك حالياً العديد من العوامل المثيرة للقلق التي يجب عزلها مثل التغييرات الاقتصادية والمالية والمناخية التي تأتي بالصدفة في وقت واحد.
إن عملية التمويل تهيمن على الاقتصاد الذي يعاني فشلاً في النمو كما أن التغيرات المناخية تمنع عملية السعي لإيجاد نمو بأي ثمن، لا سيما على مستوى الطاقة هذا من دون نسيان، صراعات الهوية التي تتحول إلى صراعات مسلحة.
كل ذلك أيضاً يأتي في الوقت نفسه، ولم يعد هناك شيء مفهوم، والعالم لم يعد يدار بنفس الطريقة، وأرى أنه ليس هناك أزمات ولكن طفرات، ولذا يجب علينا عزل المشاكل ومواجهتها على المدى الطويل.
فالتباطؤ في النمو، على سبيل المثال، مسألة لن تتجاوز نصف قرن في حين أن الصراع بين الطبيعة والإنسان، مسألة قرن.

} الجمهور يعرف القليل عن كلمة «أنثروبوسين»، والتي تعني أننا انتقلنا إلى عصر غدا فيه الإنسان القوة الجيولوجية التي أدت إلى الإخلال بحالة الكوكب، فهل الوعي بهذه القضية يبدأ مع التعليم؟

الوعي لم يكتمل بعد ولم يصبح عالمياً، ولكنه ينمو بشكل كبير.

وسوف يستغرق الأمر 30 عاماً، وينبغي ألا نتعجل لأن نفاد الصبر هو واحد من أكبر أعداء هذه المسألة.

} هناك تفاوت في نسبة الثراء تتراوح بين 1 428 بين أفقر ساكن للكوكب (زيمبابوي) وأغنى ساكن له (قطر)، فكيف يمكن لهذا التفاوت غير المسبوق أن يكون له تأثير في البيئة؟

الأغنياء أكثر تلويثاً للبيئة ويشجعون على الهدر، والفقراء لا يعيدون تدوير نفاياتهم.

وثمة دراسات مثيرة للاهتمام ونالت جوائز نوبل على ذلك، ولا شك أن حدوث خلل في هرم الدخل فاقم السلوك البيئي، ويمكن أن يتراوح داخل كل بلد، من 1 10000، وبالتالي فإن وجود قيود على هذا التفاوت الكبير جزء من مكافحة هذه المشكلات. كما هي الحال في عالم المضاربة، الذي يخص الأغنياء، فمضاربة أقل تعني وجود أغنياء أقل.

} هل يمكن اليوم توقيع معاهدة مثل معاهدة القطب الجنوبي، التي وقعتها إبان حكمك في العام 1991؟

- أنا فخور لتوقيع مثل هذه المعاهدة مع روبرت هوك، رئيس الوزراء الأسترالي السابق، والتي أدت إلى التصديق على البروتوكول 3، الذي يحظر استغلال ركاز المعادن وتنظيم حمايتها، وأرى أننا لم نتمكن من القيام بما يعادلها في القطب الشمالي، وأعتقد أنه في الوضع العالمي الحالي، فإن مثل هذا التوقيع يبدو مستحيلاً، فهناك تدهور للمجتمع الدولي ناتج عن زيادة المصالح الوطنية ضد الآخرين، ورفض خطر متزايد من وجود إدارة جماعية للعالم.

وفيما يتعلق بقضية البيئة، فإن العداء بين الرأي العام والحكومات بات مؤكداً.

} تتحدث في كتابك (انتحار الغرب، انتحار الإنسانية) عن القطب الشمالي وكأنه «شرق أوسط ثاني»، أليس هذا مدعاة للقلق؟

لا أحب العمل مع العواطف مثل القلق، والخوف، أو الحماس، دعونا نقول إن المنطقة في خطر، وهذا صحيح، ففي القطب الشمالي، الجيران الخمسة، روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، النرويج وغرينلاند والدنمارك يرفضون ما يعادل ما ورد في معاهدة القطب الجنوبي، أي حظر التنقيب عن النفط، فهم بحاجة إلى طاقة ويريدون أن يعثروا عليها حيث وجدت، فضلاً عن الصين، التي أصبحت مراقباً في مجلس القطب الشمالي، كل ذلك لندرك أن ذلك لا طائل منه ولكن ستتخذ قرارات في هذا الصدد.

} لماذا تعارض التقنيات التي تستخدمها الهندسة الجيولوجية والتي من شأنها تعويض مسألة التلوث؟

أرجو ألا تحصروني في دوغمائية حمقاء، فأنا ضد ما هو ضار تماماً ومع كل ما هو تعويضي ومفيد، وإذا تمكنا من التعويض عن غازات الدفيئة بالنباتات أو بغيرها، فلم لا، الرصيد النهائي هو المهم آخر المطاف، لكن في المقابل، إذا كان علينا الاستمرار كما هي الحال الآن من خلال المراهنة على أننا سنجد في نهاية المطاف التقنيات، هنا أقول إن هناك مخاطر، والرأي العام الأمريكي يفكر بهذا القبيل، أما أنا فلا.

} تذكر الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC في السيناريو الذي تسميه «العمل حسب المعتاد»، أنه مع التطور الذي يتواصل على أساس الوضع الحالي فإن ارتفاع درجة الحرارة سيزداد 5 درجات مئوية بحلول نهاية القرن، فهل تؤمن بهذا السيناريو الكابوس؟

يمكن للإنسانية حصر نفسها في مسألتي الإنكار والعجز وأسلافنا، سكان جزيرة الفصح (باك) فعلوا ذلك ولقوا حتفهم، أما نحن فلسنا مضطرين إلى اتخاذ الخيارات نفسها.

هيئة فوق وطنية دولية

عن جدوى توفر كيان عالمي مثل الأمم المتحدة، يتمتع بحقوق ملزمة في مجال المناخ يقول روكار: «الإنسانية تقوقعت حول مفهوم المصلحة الوطنية إلى درجة أن بات من المستحيل إنشاء مثل هذه المنظمات، كتابة التاريخ البشري تعود لفترة تتراوح بين 7000 إلى 8000 سنة، والميزانية العمومية لهذا التاريخ 10000 حرب، يفهم من ذلك أنه كان لا بد لصناعة الحرب أن تصبح مرعبة كي يبدأ مشروع إنشاء منظمة عالمية. فبعد ذهاب 50 مليون قتيل في الحرب العالمية الثانية، أصبح مفهوماً أنه لا بد من وجود منظم ومن هنا جاءت الأمم المتحدة. إن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يجتمع في كل يوم عمل منذ عام 1946 لمعالجة قضايا الأمن الدولي، وهي كلمة تظهر سبع عشرة مرة في ميثاق الأمم المتحدة، ولكن لم يتم تعريفها ولذا فإن وباء مثل إيبولا، وارتفاع منسوب المياه، أو بصورة أعم، الاحتباس الحراري ليست جزءاً من التهديدات الأمنية علماً بأنه يمكن من الناحية الفكرية، أن تكون كذلك من الناحية النحوية فقط، إننا بحاجة فقط إلى اتفاق بين الدول، فالأداة موجودة، حتى إنه لا حاجة لتغيير الدستور، إنها واحدة، ما يمكن تقريره خلال مؤتمر Cop21 لأنه يمتلك الوسائل لذلك».

الغاز الصخري

في خضم الحديث عن البدائل لتوفير الطاقة يقول ميشيل روكار: «لست مع أو ضد الغاز الصخري، ولكن ما دمنا لم نقبل لفترة طويلة معدل نمو يقرب من الصفر، علينا فهم أن الإنسانية تحتاج إلى مزيد من الطاقة، ولذا فإن هذا التقييد يؤدي بها إلى البحث عن المزيد من النفط والغاز وحتى الفحم، وهذا أمر خطر، وفيما يتعلق بمسألة الغاز الصخري، فأكافح بقوة ضد فكرة رفض استغلاله حسب المبدأ، من دون حتى معرفة ما إذا كان موجوداً حقاً، أو حتى عمل دراسة شاملة حول كيفية معالجته إن وجد وهنا يظهر التناقض، فلماذا سيكون من المستحيل التعامل مع الغاز الصخري من دون إحداث أي ضرر أو تلف في البيئة؟ ومن هنا يجب أن نخترع تقنيات وأساليب متوافقة مع هذا الأمر، وفرنسا من الدول التي حظرت إجراء دراسات ذاتية لأسباب تتعلق بأهواء خاصة بالرأي. إذا كانت النتيجة أن الغاز الصخري مثل النفط أو الفحم يسبب انبعاث المزيد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، فالمسألة بسيطة، يجب عدم استخراجه، ولكن هذا الاحتمال ليس الوحيد.

معوقات

يقول ميشيل روكار عن مؤتمر Cop21 المزمع عقده في فرنسا لبحث تطورات المناخ : عندما قرر صديقي فرانسوا هولاند تنظيم المؤتمر، شعرت بالخوف، ففي السياق الحالي، لا تحتاج فرنسا لفشل آخر، وهناك مخاطر كبيرة، حيث فشلت الاجتماعات العشرون الأولى، وكان اجتماع كيوتو ثلث فشل، لأن التوصيات نفذت من قبل أوروبا لا من جانب الولايات المتحدة، وأعتقد أن في مؤتمر Cop21 المقبل، ستتوفر الفرص للقيام بعمل أفضل على الرغم من أنني لا أعتقد أن هناك تبنياً حقيقياً للتدابير الدولية الإلزامية، مثل فرض ضريبة عالمية على كمية الكربون المنبعثة، أو مبدأ محاصصة الكربون، وسيناقش هذا الأمر ولكن، مرة أخرى أقول، ربما لن نلمس أي شيء، ومع ذلك، فإن الرأي العام بات في توجه نحو قبول العمل الجاد للحد من انبعاث الكربون.

وأعتقد أن هذا الإجماع العالمي، إذا لم يسمح حتى الآن بصنع قرار دولي ملزم، سيجعل القرارات الوطنية أقوى وسيعطي المزيد من الوزن للإرادة السياسية للدول.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"