من تاريخ الدولة العثمانية ... الصناعات والحرف

02:19 صباحا
قراءة 4 دقائق
في الحديث عن الصناعات والحرف ذهب فولني الى انها بسيطة وذكر منها نسيج الحرير، والصياغة وتزيين السروج والغلايين، وصناعة الاقفال، الخ.. وانه لم يلق في اسواق دمشق وحلب غير الندافين، والحلاقين، وباعة الحبوب والحلويات، وما الى ذلك من الصنائع البدائية، وقد نعى على ارباب الحرف، بوجه الاجمال، بدائية اساليبهم في معالجتها، وانعدام الأصالة في نتاجهم.حرف شاميةونحن نجد في كتب الرحالة الذين وفدوا الى بلاد الشام في القرن الثامن عشر، وفي تراجم بعض اعلام العصر معلومات عن الصناعات والحرف التي انتشرت في ذلك العصر. من ذلك صناعة الزجاج في دمشق، وصناعة الملح بطريق التبخير، وملح البارود، وصهر الحديد وما يلحق به من انتاج الاسلحة النارية في لبنان، وصناعة السكاكين ومقابضها وزخرفتها، وما الى ذلك، وصناعة الصابون في طرابلس وفلسطين وحلب، حيث وجدت صناعة أخرى للشمع، على نطاق ضيق، وبرزت بعض الصناعات والحرف الشامية التي راجت عهد ذاك مثل الحياكة وما يتصل بها وكانت من وسائل الكسب الاساسية. وقد امتهن حياكة الألاجة اقمشة من الحرير والقطن بعض شخصيات القرن. وهي تحتاج الى حرف كثيرة ككبابة الحرير.والفتال، والمسدي، والصباغ، والمزايكي، والملقي الذي يعد قطع الحرير للحائك بعد ان يفرغ المزايكي منها. أما العقادة وصانعها يدعى عقاداً فقد اتخذها احد شعراء العصر حرفة، فعرف بالعقاد. وراجت صناعة الفخار، والخزف، والآنية الخشبية.وكذلك صناعة القصب والنجارة، والحبال، والخياطة، وصناعة الامشاط، والعطارة، والسراجة، أما الاراكيل، والبرابيش، والغلايين، وما اليها فقد راينا من الولاة من فرض ضريبة على الاراكيل التي يعدها خدمة المقاهي. ونحن نجد في قاموس الصناعات الشامية: الاراكيلي، والبرابيشي والغلاييني، والتوتنجي، والتنبكجي، في عداد أصحاب هذه الصنائع.وقد عرف أحد أدباء العصر بالبني لأنه كان يتعاطى بيع البن. اضف الى هذا صناعة السروج وتزيينها، وكذلك مهن التنجيد، والتبييض، والحدادة، (وقد ذكرها فولني)، وصناعة الصناديق، حتى إن ابا أحد فقهاء العصر واخاه كانا يصنعان الصناديق، فعرف بالصناديقي. ونقع في تراجم بعض شخصيات العصر على ذكر مهن زاولوها فعرفوا بها: كالتذرية التي تكسب بها ابراهيم الحلبي، فعرف بالمذاري، وغربلة الحنطة التي عمل بها اديب لغوي فاستوت له من ذلك صفة المغربل، وبيع الجوخ الذي امتهنه شاعر ناثر هو مكي الجوخي.المطبعة الأولىعلى صعيد الصناعة فإن عبدالله الزاخر كان من أبرز شخصيات القرن، وقد زاولها بل لقد نسبوا اليه سبك حروف مطبعة حلب، اولى المطابع بالحرف العربي. ثم ان صناعة النحاس كانت من الصناعات الشامية البارزة. فقد شحنت من الاسكندرون الى اوروبا سنة ،1798 277 قطعة من النحاس وكان تأسيس المطابع في بلاد الشام: من حلب، الى الشوير، الى بيروت، ينبئ عن بداية حقبة صناعية جديدة. وقد كان نسخ الكتب، كما سيتبين فيما بعد، صناعة أي صناعة. اضف الى هذا حرفاً تتعلق بذلك كله، تقدمت عنها وتأخرت، جعلها نفر كبير من علماء القرن الثامن عشر وادبائه مورد رزقهم: كالحبر مثلاً، والوراقة، والخط، وتجليد الكتب، وكذلك كتابة الصكوك والضمانات، وما اليها. ثم المناسخات، والمقاسمات، وعلم الفرائض، أما الغناء والعزف على الآلات الموسيقية فهما، في علمنا صنعتان لازمتان لكل عصر. وهذه الصناعات كانت بدائية اذ أن الاقبال على الصناعات المتأنقة كان ضئيلاً. ومن الاسباب التي اوهنت هذه الصناعات قلة اكتراث الحكام بها. ووضع الشرق الأدنى الاقتصادي الخائر عامة، ثم أسلوب الصناعيين المحافظ حتى لا تجد في ما يصنعون اصالة ومهارة، اذ كانوا يتوارثون طرائق اسلافهم في القرون الوسطى واساليبهم دونما تبديل يذكر.ويبدو ان النتاج الصناعي، في المدن الكبرى ومراكز أخرى، كان مهماً على نطاق واسع. وابرز ما يجدر ذكره عن الصناعة عهد ذاك تلك الطوائف التي كان ينضوي تحت لوائها اصحاب الحرف.وكان كبيرها الشيخ يرأس اجتماعاتها، ويلم شمل اعضائها، وينزل بالمخالفين العقاب، ويعين معلمين لهم. وكانت حلب مركز التجارة عهد ذاك فقد كانت ممر الطرق التجارية الى بغداد وهي اذ ذاك مركز الحركة مع ايران والخليج العربي، ومنتهى التجارة العالمية بين آسيا واوروبا. وقد ظلت حتى منتصف القرن السابع عشر سوق التجارة الأولى في الشرق الأدنى. ولا غرو اذا انتشرت في مدن سوريا جماعة كبيرة من أهل البندقية تستورد من اصبهان، والبصرة، وبغداد، قوافل محملة بالتوابل، والحرير، وما الى ذلك.التجار الفرنسيونكما اسهم في تنشيط التجارة المعاهدة التي عقدت، في سنة ،1740 بين السلطان محمود الأول والملك لويس الخامس عشر، وفتحت بموجبها البلاد المقدسة لجميع الوافدين اليها تحت حماية العلم الفرنسي، وليس للحجاج الفرنسيين وحدهم، فإذا التجار الفرنسيون ينافسون تجار البندقية. فهذا سوفاجه يقول: إن القرمز العجمي كان يصدر الى ليون، ويستورد النيل النيلة من سان دومينيك. وهذا الرحالة بوكوك يعترف في معرض وصفه ازدهار التجارة في حلب، بأن التجارة في ايدي الفرنسيين، وان في المدينة شارعاً باسم الشارع الفرنسي، وان فيها معملاً انجليزياً، وان مما يصدر الى اوروبا: صوف المعز، والفستق، ومما يستورد: الحرير المزركش، والقصدير، ويتحدث غيز عن نظرة الاجلال والاعجاب التي نظر بها الفرنسيون الى التجارة في سوريا، ويورد ارقاماً كثيرة عن الصادرات والواردات الى بلاد الشام. ويزيدنا بوكوك علماً بأحوال التجارة في مدن الشام الأخرى، فدمشق تستورد بضائع من ايران والهند، وكذلك الأقمشة والزجاج وغيرهما من اوروبا. وتصدر نسيجها الحريري والقطني. وليس نشاط الفرنسيين بقاصر على حلب وحدها، فإن تجارة صيدا كلها في قبضتهم. بل إن لهم فيها خاناً يجبرهم قنصلهم على السكنى فيه. كما أن فيها خاناً يدعى الخان البندقي، واغلب الظن أنه كان لتجار البندقية أيام ازدهار تجارتهم هناك. ومما كانت تصدره صيدا: الحرير الخام، والقطن، والحنطة.وكانت تجارة طرابلس تقوم، كما يقوم بوكوك على تصدير الحرير الخام الى اوروبا والصناعات الحريرية الدمشقية الى انحاء مختلفة في الشرق الأدنى، والصابون المصنوع من زيت الزيتون.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"