هوية إعلامية للعاصمة أبوظبي

05:02 صباحا
قراءة 4 دقائق

ليس متأخرا أبداً هنا التنويه بإطلاق فكرة إعلامية للعاصمة أبوظبي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فالإعلام في سياق الجهد المتصل بهذه الهويّة عمل متواصل لا ينقطع، طالما أنه يتعلّق أساسا بحيويّة مختلف القطاعات الفاعلة والمنتجة في إمارة أبوظبي. ولا يتمّ التنويه هنا بالفكرة التي تعدّ خلاقة وجديدة، عربياً على الأقل، من باب الإطراء الاحتفالي بصيغة مبتكرة للترويج والتسويق، بل لأن ثمة حاجة تبدو مطلوبة التحقق لتعميم الفكرة، وتأخذ بها مختلف إمارات الدولة، طالما أن كلا منها يحوز على كثير مما حباها به الله من طبيعة مبهجة ومظاهر خاصة. والمعلوم أن أبوظبي باتت رائدة في الشرق الأوسط في أن تتبنى لنفسها هوية إعلامية، تتضمن الكثير مما تشتمل عليه من عناصر الجذب على صعد الثقافة والتراث والسياحة والاستثمار، وغير ذلك من مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي تجتمع في مكونات الهوية الوطنية للإمارة، وتالياً في هويتها الإعلامية التي تدل أولاً على ما يستمر إنجازه من مشروعات وطنية وما يتم التطلع إليه من طموحات ورهانات. وفي البال أن مسألة ابتكار هوية إعلامية لبلد معين ليست أمراً سهلاً، بالنظر إلى ما يتطلبه من سعة النظر إلى مختلف القطاعات العامة والخاصة، وكذلك إلى الموروث الثقافي المتميز، وإلى ما يعكس استراتيجية عامة لتلك الهوية، يتصل حتما بذلك كله، وأيضا بما هو سياسي واجتماعي، وبما يمثل التوجهات الخاصة في النشاط التنموي العام.

ويكتسب تبنّي إمارة أبوظبي هوية إعلامية لها أهميته على الصعيد السياحي مثلا بالنظر إلى الدور الإعلامي كشريك رئيسي في تنمية القطاع الناشط على هذا الصعيد، ومن هنا يحسن التأشير إلى ما يؤديه الإعلام من دور حيوي في تسويق دولة الإمارات كوجهة سياحية وذات خدمات راقية. ويأتي التأشير هنا إلى القطاع المذكور لما يشكّله من واجهة حاضرة عربيا وعالميا، ولما صار له من فاعلية بالغة، بالنظر إلى نجاح الإمارات، بطواقم وكفاءات إداراتها المختلفة، وفي مختلف إماراتها، ومنها أبوظبي ودبي والشارقة، في ترويج الدولة مقصداً سياحياً يتوفر على كل عناصر الجاذبية والمتعة والرفاهية، فضلا عن عناصر التزود بثقافة رفيعة تساهم في تعزيز صورة الدولة تنعم بمساحات التسامح والطمأنينة الواسعة والأمن والأمان وطيب الضيافة. وفي الوسع هنا الثناء على الخيار الذي تخوضه أبوظبي بهمة ونشاط على صعيد تطبيق خطة طموحة لإعادة تعريف نفسها كوجهة رائدة في الفنون والثقافة في المنطقة. وهذا مشروع جزيرة السعديات العملاق في قلب أبوظبي يشكل إنجازاً استثنائياً في العالم، وهو الذي تصل تكلفته إلى 25 مليار دولار، وسوف تكون الجزيرة فضاء للمتعة والاستمتاع بجميع الوسائل المدنية والثقافة، وسوف تصبح على ما قال أهل الخبرة والدراية مهدا لمشاريع ثقافية مدهشة. وكانت صحيفة وول ستريت جورنال قد كتبت أن السعديات ستكون أسطورة السنوات المقبلة، وأنها ستكون من أهم عوامل الجذب في المنطقة، بالفنادق الفاخرة التي تم التخطيط لبنائها على شاطئ الجزيرة، والمتاحف ذات الطراز العالمي التي ستقام فيها، بما فيها متحف جوجنهايم ومتحف اللوفر أبوظبي، والتي ستتم استضافتها في المنطقة الثقافية في الجزيرة.

ويعكس حضور البعد الثقافي العميق في المشروعات السياحية الكبرى في إمارة أبوظبي إدراكاً لتكامل جميع عناصر التنمية الإنسانية، وتطويراً عملياً رفيعاً وأنيقاً لوجوب توفير كل ما يهيئ صورة شاملة لدولة الإمارات بما تتوافر عليه من غنى معرفي، ومن سعي نشط نحو التحديث والتمدين الموصول بالارتباط بالأرض وبالثقافة الوطنية والتقاليد والموروثات التي تدلّل على قيم الأصالة والشهامة والبداوة، وهو ما يبقى ملحوظا في مختلف المرافق السياحية العامرة في أبوظبي، وكذلك في دبي التي تتزاوج فيها ضروب الأصالة والمعاصرة في إيقاعٍ يتصف بالدهشة والتميز، وهو ما تأخذ به إمارة الشارقة في الجهود التي تتواصل فيها باتجاه حفاظها على مكانتها الخاصة في التنشيط الثقافي الواسع في الدولة. ولأن السياحة باعتبارها قطاعاً اقتصادياً خاصاً، طالما أن الثقافة من مشتملاته، ولأن الإعلام حاجة ودور ووظيفة، ولأن التكامل في العملية التنموية الشاملة في الدولة حقيقة قائمة، فإن مبادرة إعلان هوية إعلامية لإمارة أبوظبي تبدو جديرة بالتمثل والإفادة منها، وهي التي قامت بها هيئة أبوظبي للسياحة طوال عامين من عمل جاد عمل على إنجاز، أو تطوير، هوية متكاملة تقف على الجوهري في الإمارة بطريقة تجذب السائحين، وعلى ما قال رئيس الهيئة الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان فإن هذه المبادرة سرعان ما تطورت لتكون ذات أهمية وطنية لتكون الهوية لا تقتصر على السياحة فحسب، بل لتشمل القطاعين الحكومي والخاص. وجاء تأسيس مكتب أبوظبي للهوية الإعلامية لمساعدة جهات القطاعين المذكورين على فهم الهوية وأهدافها، وكيفية تطبيقها، بالإضافة إلى الإشراف على جميع النشاطات التي قد تؤثر في سمعة إمارة أبوظبي وهويتها.

هو مجرد تنويه بفكرة جديدة ومبتكرة، ولها جدواها البالغة، انشغلت به السطور السابقة، يتصل حكما بما يستجدّ دائما في دولة الإمارات من مبادرات خلاّقة تتوجه أساسا لخدمة هذه البلاد التي أنعم لها بكل عوامل التقدم والنجاح، ويُعدّ قطاع السياحة الناهض مورداً مهمّا من موارد التطوّر الناشط الذي بات من مميزات دولة الإمارات، ويتكامل الدور الفاعل الذي يقوم به مع الأدوار التي تؤديها القطاعات الأخرى في تظهير هويّة الإمارات عموما، وإذ بادرت العاصمة الزاهرة للدولة أبوظبي، ومن خلال هيئة السياحة النشطة فيها، إلى إطلاق هوية إعلامية فإنها تساهم في ذلك في الارتفاع بإعلام الإمارات نفسه، وتحفّز على تعظيم القدرات الثقافية والسياحية الجاذبة في أبوظبي نفسها، وفي عموم الدولة حكما، وهذا درس طيب، كما دروس طيبة أخرى، تيسرها عموم إمارات الدولة لمواطنيها والمقيمين فيها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"