عادي

رحلة الإبداع والتضامن: قيادة الفرق نحو النجاح وتطوير العمل

22:02 مساء
قراءة 5 دقائق
إعداد: أحمد البشير

هل تساءلت يوماً عن سر تشكيلة الإوز في هجرته، التي تتخذ شكل حرف «V» بأناقة فائقة؟ إنها ليست مجرد صدفة، بل هي تفاصيل دقيقة يُدبرها الخالق العظيم ليكتمل جمال الطبيعة. بالفعل، يبدو أن الله اختص الإوز بغريزة فطرية مذهلة، حيث يؤدي كل فرد في السرب دوراً مهماً يساهم في تحقيق تناغم الحركة. 

ويرتفع كل إوز بأجنحته المتلألئة، ويتلاحمون كالفراشات في رقصة سحرية، حيث يُشكل كل منهم عامل رفع للطائر الذي يليه، مما يجعل تشكيلة «V» تتسم بفاعلية طيران فائقة، تزيد بنسبة 74% مقارنة بطيران الإوز بمفرده. ولكن ماذا يحدث عندما يخرج إحدى الإوز من هذا التشكيل؟ 

تواجه على الفور عواقب عدم التناغم والتعاون، حيث تشعر بعواصف الهواء التي تعصف بقوتها، وتنخرط في معركة مع المقاومة التي تعترض طريقها. وهنا يظهر دور الإخوة الذين يحيطون بها، حيث يرسل الإوز من الخلف صفيراً مملوءاً بالتحفيز والشجاعة، يدعم زميلته في المقدمة، ويحثها على استمرار السعي والتقدم.

كما أن الرياديين يشبهون الإوز في هذه الرحلة، حيث يجتمعون حول هدف مشترك بروح الانتماء والتعاون، وبهذا يصبح تحقيق التقدم والنجاح أسهل وأسرع بكثير مما لو أُنفذ بشكل فردي، فالتكامل والتضامن هما مفتاح النجاح في رحلة الإبداع والتطور.

القيادة هي فن وعلم في آنٍ واحد، فهي عملية معقدة تتطلب فهماً عميقاً للإنسان وديناميات التفاعل الاجتماعي. إنها ليست مجرد إصدار أوامر، بل هي تأثير فعّال يستند إلى الإلهام والتوجيه نحو تحقيق الأهداف المشتركة.

القائد الناجح هو من يمتلك القدرة على إثارة اهتمام الآخرين وتحريك طاقاتهم وقدراتهم نحو تحقيق الأهداف المنشودة. إنه يعمل على توجيه هذه الطاقات وتوجيهها بشكل فعّال نحو تحقيق الغايات المحددة. ولكن القيادة الناجحة ليست فقط عن الفرد القائد، بل تتعلق أيضاً بقدرته على بناء فريق عمل قوي، حيث يجمع بين الكفاءة الشخصية ومهارات الآخرين لتحقيق التعاون والتضامن.

الصورة

الشخصية القيادية الفعّالة تكون قادرة على تنظيم الفريق وتحفيز أفراده للعمل بجد واجتهاد نحو تحقيق الأهداف المشتركة. ويُعتبر القائد الناجح كواحدة من رواد الفريق، حيث يتولى المسؤولية ويساعد الأفراد على تطوير قدراتهم وتحقيق إمكاناتهم الكاملة.

مراحل بناء فريق العمل الفعال:

يمر فريق العمل عموماً بأربع مراحل أثناء تطوره نحو الأداء العالي وهنا يتضح دور القيادة في بناء فريق العمل.

  1. مرحلة تشكيل الفريق

إن تشكيل فريق العمل يمثل لحظة فارقة في رحلة النجاح، فهو الأساس الذي يُبنى عليه كل شيء في المستقبل. ومن هنا، تبرز أهمية دور القيادة الناجحة في اختيار أفراد الفريق المناسبين، الذين يتمتعون بالمهارات والكفاءات اللازمة لتحقيق الأهداف المطلوبة.

وفي مرحلة تشكيل الفريق، يجتمع الأعضاء معاً لاستكشاف الآراء والأفكار والتوجهات المختلفة، من خلال النقاش والتفاوض والتفاعل الشخصي. يتشكل خلال هذه العملية تحالفات وعلاقات ودية بين أفراد الفريق، مما يعزز التواصل والتعاون بينهم.

وتلك المرحلة ليست سهلة، فهي تتطلب وقتاً وجهداً كبيرين، وتحتاج إلى صبر وحكمة للتعامل مع التحديات والتنافسات الطبيعية التي قد تنشأ. وهنا يظهر دور القيادة الرائدة، حيث تتحمل مسؤولية توجيه العملية وتحفيز الأعضاء للبحث عن التوافق وتقديم أفضل ما لديهم في سبيل تحقيق أهداف الفريق.

إن قائد الفريق المتميز هو من يتمتع بالصبر والحكمة في مواجهة التحديات، ويسعى جاهداً لتعزيز الروح الجماعية وبناء بيئة عمل مشجعة ومحفزة لكل فرد. من خلال هذا الدور الرائد، يستطيع قائد الفريق تحويل التحديات إلى فرص للتعلم والنمو، وتوجيه الفريق نحو النجاح والتميز.

  1. مرحلة الاقتحام

الاقتحام هو المرحلة الثانية في تطوير فريق العمل، وهي عبارة عن نوع من «العصف الذهني» المكثف. خلال هذه المرحلة، يتحول أعضاء الفريق المتميزون إلى مجموعة متجانسة متميزة، حيث يقومون بعمل شاق لتحديد الأهداف النهائية وتحديد الجدول الزمني لتنفيذها، وتوزيع المهام بين الأعضاء، والانطلاق نحو تحقيق هذه الأهداف.

وهنا يظهر دور القيادة بشكل بارز، حيث يقوم قائد الفريق بتوجيه عملية تحديد الأهداف وإضافة المقترحات البناءة وإثراء الأفكار المطروحة. يُشجع الأعضاء على قبول وجهات النظر المختلفة وتوجيه التفكير نحو تحقيق الهدف المشترك للمشروع.

ومن خلال الاقتحام، يتم تعزيز تكامل الفريق وتعزيز التفاعل والتعاون بين أعضائه، مما يساهم في تعزيز الكفاءة والفاعلية في أداء المهام. إن القيادة الحكيمة والفعّالة في هذه المرحلة تلعب دورًا حاسمًا في بناء فريق عمل متميز قادر على تحقيق النجاح وتحقيق الأهداف المنشودة.

  1. مرحلة وضع النماذج

المرحلة الثالثة من تطوير فريق العمل، التي يقوم بها القائد الناجح، تتمثل في وضع القواعد والمعايير التي تحدد السلوك والأداء بين أعضاء الفريق. يهدف ذلك إلى خلق بيئة عمل مستقرة وآمنة، حيث يشعر كل فرد بالثقة والاطمئنان بمكانه.

يتمكن جميع أعضاء الفريق من خلال هذه المرحلة من فهم توقعاتهم والمعايير التي يجب أن يلتزموا بها، ويتعرفون على كيفية قياس أدائهم وتقييم تحقيق الأهداف المحددة. كما يتم تحديد المسؤوليات والالتزامات التي يتحملها كل فرد، سواء تجاه مهامه الفردية أو تجاه بقية أعضاء الفريق.

تعد قدرة القيادة على تعزيز وضع القواعد والمعايير أمرًا بالغ الأهمية لنجاح فريق العمل والمشروع بأكمله. إذ يتوجب على القائد أن يكون عادلاً وواضحاً في وضع هذه القواعد، وأن يكون قدوة لبقية أعضاء الفريق في الالتزام بها. تحقيق التوازن بين الحزم والمرونة في تطبيق القواعد يعزز الانضباط والتعاون داخل الفريق، مما يسهم في تحقيق أهداف المشروع بنجاح.

  1. مرحلة الأداء

المرحلة الرابعة من بناء فريق العمل هي قدرة قائد الفريق على الحصول على النتائج من خلال التحليل النهائي للعمل. ويستطيع قائد فريق العمل الحصول على نتائج الأعمال الموكلة لأعضاء الفريق من خلال تعزيز خمس سمات أساسية طوال مراحل بناء فريق العمل وهي التالي:

أ. القيم المشتركة:

يمكن للقائد الناجح تعزيز الجودة من خلال طرح سؤال: «ما هي قيمنا؟» أو «ماذا نمثل؟». ويقوم القائد عادة بتدوين مجموعة القيم التي توافق عليها مع فريقه على لوحة في عرض مكتب العمل مثل: النزاهة والتميز والجودة والعناية بالناس والربحية والوئام.

ب- الأهداف المشتركة:

يجب أن يأخذ جميع أعضاء الفريق الوقت الكافي لمناقشة السبب الفعلي لتشكيل وبناء فريق العمل والنتائج الرئيسية المتوقعة فكلما كانت مناقشة الأهداف والغايات أكثر شمولاً، كان الفريق أكثر فاعلية عندما يبدأ العمل.

وبالتأكيد أن رؤية قائد الفريق للصورة تكون أعمق وأكبر، فهو يعي تماماً ما يريد إنجازه وما هي نتائجه ولديه القدرة على التعبير عن هذه الرؤية وإيصالها إلى عقول وقلوب باقي الأعضاء بغض النظر عن خلفيتهم أو شخصيتهم، والعمل معاً في وئام نحو تحقيق تلك الرؤية.

ج- الأنشطة المشتركة:

كل فرد من أعضاء الفريق يعلم ما يفترض عليه تحقيقه من أهداف وغايات للوصول إلى النتائج، ويبرز أثر القيادة الناجحة في تقسيم العمل بوضوح بين أعضاء فريق العمل.

د- قائد الفريق هو من يقود العمل:

يصبح قائد الفريق قدوةً لجميع الأعضاء من خلال مجموعة من السمات التي تتمثل في شخصيته من ضمنها:

  • البحث باستمرار عن طرق لتسهيل قيام أعضاء الفريق بأداء وظائفهم
  • تقبل المسؤولية الكاملة في تحقيق الهدف العام.
  • تحديد الأولويات بدقة والعمل دائماً على المهام ذات القيمة الأعلى.

إن القيادة الناجحة لا تقارن نفسها مع الآخرين؛ بل القائد الناجح يقارن نفسه بنفسه ومع إنجازاته السابقة وإمكاناته المستقبلية.

يمكنك أن تصبح قائداً متميزاً أكثر من خلال وضع معايير لنفسك أعلى باستمرار؛ ومن ثم القيام بكل ما هو ممكن للوفاء بهذه المعايير.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/zt4apr6m

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"