عادي

تعرف إلى «التحضُّر العشوائي»

19:30 مساء
قراءة دقيقتين
التحضُّر العشوائي

يحمل مصطلح «التخطيط العشوائي» تناقضاً شديداً، من شأنه إثارة البلبلة، فالتخطيط والعشوائية منهجان مختلفان، يلغي كل منهما الآخر، فالتخطيط علم وتقنية وفن، علم له أصوله ونظرياته ومدارسه ومذاهبه، يختص بالتخطيط المكاني، والتشكيل العمراني وتحديد الوظائف وتوزيعها وتوزيع البشر على مستويات متعددة.

توضح جليلة القاضي في كتابها «التحضر العشوائي» أن مصطلح التخطيط يعتبر حديث نسبياً، وقد تبنّاه وفسّره المهندس الإسباني ألفونسو سيردا واضع النظرية العامة للتخطيط عام 1845 وعرفه كالتالي: «هو مجموعة من العمليات، التي تؤدي إلى تجميع المباني وتنظيم وظائفها، طبقاً لمجموعة من المفاهيم والمبادئ والقوانين، التي تطمح إلى المساهمة في تعظيم نوعية الحياة وسعادة الإنسان».

وبالنسبة للمعماري والمنظّر العظيم للعمارة ليون باتيستا ألبرتي فإن المدينة (المخططة) هي الراحة والجمال، راحة الإنسان مرتبطة من جانب بتحقيق قدر مقبول من نوعية الحياة، أي مسكن صحي لائق، في محيط عمراني منظم ومتجانس، يتوافق مع المحيط البيئي، وتتحقق فيه الشروط الجمالية والاجتماعية والاقتصادية لتطور وتحرر الإنسان.

أما التخطيط العشوائي فهو هذا التخطيط المكاني الذي يلبي احتياجاً للإيواء، فهو لا يحقق أية راحة لرداءته وقبحه وتكراره، ويقول أحد المعماريين عن خصائص هذه الظاهرة إنها «أماكن جيدة وخربة في آن واحد، جيدة كمبانٍ، وخربة كطريقة إنشاء، في أغلب الأحيان، وخربة كتصميم معماري وحياتي، وخربة كمظهر معماري، وخربة كخدمات ومرافق، وبشيء من التفصيل فهي سيئة في وسائل التهوية الطبيعية وفي العزل الحراري وفي العزل الصوتي وسيئة في الإضاءة الطبيعية، وفي التوازن بين ما هو مكشوف وما هو مبنيّ، ولا مكان لحديقة أو أية مساحة خضراء أو لحيزات ترفيهية».

تشير جليلة القاضي إلى أن هذا واقع التجمعات العشوائية، وهي عشوائية بمعنى أنها لا تخضع للفكر التخطيطي، لكنها تصاغ وفق تفكير أو عرف جماعي، تسانده خصائص سكانية وثقافية، ويحمل في طياته تلقائية أو عفوية الحلول الذاتية، التي شكلت في مجموعها صياغات جماعية، وأشكالاً من التدخل.

إن الفارق الرئيسي بين التخطيط العمراني والتخطيط العشوائي هو الفارق بين الإبداع والخيال، الذي لا يؤدي إلى خلق محيط جميل، تتحقق فيه راحة الإنسان وانطلاقه الفكري والثقافي من جانب، ومن جانب آخر فقر الفكر وغياب الإبداع والاستجابة لحاجة ملحة، تحقق الحد الأدنى من التعايش والتكاثر.

في هذا الكتاب لا تحب القاضي أن تستخدم مصطلح «التخطيط العشوائي» لكنها تستخدم بدلاً من ذلك «التحضر العشوائي» فالتحضر يتم بعملية تدريجية، وهي عملية ارتقائية، ارتقاء في نوعية الحياة بشكل عام في شقها المادي والثقافي، ومفهوم التحضر أشمل من مفهوم التخطيط وهو يستوعبه، فالتحضر يرجع إلى الحضارة، والحضارة هي بنت المدينة، أي أنها نشأت وكبرت في المدينة، التي تجمعت فيها عناصر القوة والثروة والعلم والفنون والحرف، وأخضعت التجمعات الريفية المحيطة التي ظلت على بداوتها أو بدائيتها، يتطلع ساكنوها إلى أن يحالفهم الحظ، ليخترقوا أسوار هذه المنظومة الجديدة، ويعدوا من بين سكانها، إلا أن المدينة يمكنها أن تكون عشوائية.

ترى جليلة القاضي أن المدن العشوائية هي امتدادات للتجمعات الريفية، نمت بالتدريج، ثم تحولت إلى مدن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"