المتتالية القصصية

03:14 صباحا
قراءة دقيقتين
علاء الدين محمود

التطور الكبير في الأدب والسرد، بصورة خاصة، نتجت عنه أنماط وتصنيفات جديدة لم تكن متداولة بشكل كبير من قبل، وقد رأينا كيف أن هنالك تسميات قد ظهرت في الحقل السردي مثل الرواية السينمائية والقصة الومضة والسيرة الأدبية وغيرها، وبشكل كبير برزت «المتتالية القصصية»، وهي عبارة عن مجموعة قصصية يجمعها سياق سردي ونفسي واحد متداخل ومتسلسل، وذات مضمون مشترك، ثيمتها واحدة وتجري أحداثها في أماكن وأزمنة قد تكون متفرقة ومتباعدة، فهي أشبه ما تكون برواية مقسمة إلى أجزاء، على الرغم من أن كثيراً من كتابها يرفضون تشبيهها بالرواية أو المجموعة القصصية، لكون المتتالية لا تتبع التسلسل الطبيعي للرواية ولا التسلسل المنطقي للمجموعة القصصية، فهي متشظية الأحداث، تحاكي الواقع في انكساراته وخيباته، وتحلق في الخيال لتعانق الأساطير وأحداث الماضي، وتجري حوارات مع المقولات والمفاهيم التي أنتجها الفلاسفة لكي تصيغ سرداً ورؤية تعبر عن الحياة في تقلباتها.
وهذا النوع السردي ليس مألوفاً، لكنه صار منتشراً خاصة عند الكتاب الشباب، ويبدو أن تطور وأزمات الواقع الاجتماعي في العصر الراهن قد دفعت الكتاب إلى اقتراح أشكال وأنماط سردية جديدة، أو لنقل مختلفة، خاصة أن بعض الأصوات النقدية قد أكدت أن هذا النوع من الكتابة القصصية قديم، لكنه غير منتشر، لكن من المهم الإشارة إلى أن ما يجري في المجتمع شديد التأثير على الأدب والسرد بصفة خاصة.
الارتحال في الزمان والمكان بقوة الخيال هو أهم ما يميز «المتتالية القصصية» التي هي نفسها نتاج المغامرة الإبداعية من قبل الكتاب الشباب الذين يقودهم التجريب، ولعل هذا الأمر يثير كثيراً حيرة النقاد خاصة الذين ينطلقون من التعريفات القديمة والتقليدية للأجناس السردية مثل: القصة والقصة القصيرة والرواية، غير أن أشكالاً جديدة ينتجها التجريب والبحث المبدع تتجاوز الأطر القديمة، وربما تنتج عن تلك العملية مفارقة للتنميط والتصنيفات في المستقبل على نحو ما توقع كاتب الشذرات الفلسفية الكاتب الروماني «إميل سيوران»، الذي دعا إلى مفارقة الأقبية الأدبية المعتادة، واقتراح أشكال جديدة في الكتابة، لكن يبدو أن صرخة سيوران لا تعبر عن شيء جديد، فالكاتب الروسي فيكتور شكلوفسكي، كان قد ذكر أن التوالي القصصي هو أصل الرواية، وأن الإنسان بدأ بكتابة نصوص قصصية لها ترابطها الخاص، وضرب أمثلة مستشهداً ب«كليلة ودمنة» و«ألف ليلة وليلة».
وفي العالم العربي نجد أن كثيراً من الأدباء الشباب يقبلون على كتابة «المتتالية السردية»، ولئن كان الكاتب إبراهيم أصلان واحداً من الذين عرفوا بهذا الأسلوب السردي؛ فإن العديد من الكتاب الجدد قد برعوا فيه بصورة كبيرة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"