أسعار القمح واحتمالات فقاعة السلع

02:58 صباحا
قراءة 4 دقائق

ربما كانت مصر والمغرب من أكثر دول المنطقة التي تأثرت سلباً بتطورات سوق القمح باعتبارهما من أكبر المستوردين، ليس بين الدول العربية فحسب بل في العالم على الأقل مصر . إلا أن غليان أسعار القمح ينذر بمخاطر أشد ليس على الدول المستوردة فقط وإنما على الاقتصاد العالمي ككل مع تزايد احتمالات أن يشهد العالم فورة تضخم في أسعار الغذاء وبقية السلع كما حدث منذ عامين . ورغم ما تبدو من بشائر على احتمالات تلك الفقاعة، إلا أن بعض المحللين يقللون من تلك المخاطر وأن اعترفوا بوجود مضاربات شديدة في أسواق السلع إلا أنهم يعتبرون أساسيات السوق جيدة بما يكفي لدرء ذلك الخطر .

والواقع أن أسعار السلع تميزت خلال العام الجاري وحتى الآن بالتذبذب الشديد وعدم السير على نمط محدد . فبعدما انخفضت بحدة في في الربع الأول عادت وارتفعت في يوليو/ تموز ومطلع أغسطس/ آب . وزاد الارتفاع الكبير في أسعار القمح من مخاوف حدوث فقاعة في أسواق السلع . كما أن استمرار انخفاض قيمة الدولار الأمريكي ساهم في تعزيز التضخم في أسعار السلع التي يتم تسعير أغلبها بالعملة الأمريكية . إلا أنه مع احتمالات استمرار تباطؤ الاقتصاد العالمي وجودة المخزونات والاحتياطيات من السلع عالمياً ربما كان كفيلاً بمعادلة عوامل التضخم السعري .

وادى قرار روسيا حظر تصدير القمح ما بين منتصف أغسطس/ آب ونهاية ديسمبر/ كانون الأول إلى ارتفاع جنوني في أسعار القمح الأمريكي الذي وصلت نسبة الزيادة في سعر عقوده في بورصة شيكاغو للعقود الاجلة للسلع 42 في المئة في يوليو/ تموز، وهي أعلى نسبة زيادة شهرية في سعر القمح الأمريكي في نصف قرن . ومع أن هناك صفقات مضاربين يحاولون الاستفادة القصوى من الأزمة إلا أن هناك مشتريات تجارية أيضاً من قبل مستوردين لديهم مشكلة في تغطية احتياجاتهم من القمح في المدى القصير . ومع القرار الروسي بحظر التصدير اضطر هؤلاء إلى الشراء بالأسعار العالية، إذ إن روسيا تعد من أرخص الموردين للقمح مقارنة بأسعار موردين آخرين عالمياً .

وكانت أنباء أزمة أسعار القمح العالمية، التي ارتفعت بحدة نتيجة تراجع المحصول الموسمي في روسيا وأوكرانيا وكازاخستان، أثارت ذعراً عالمياً بشأن احتمال الغليان إلى حد تكوين فقاعة تهدد التعافي الاقتصادي العالمي الهش . ولا يقتصر الارتفاع على القمح، إذ ارتفعت أسعار النفط أيضاً مطلع أغسطس/ آب (وإن عادت للتراجع في منحى متذبذب بشدة) . كما ارتفعت أسعار النحاس مثلاً بنسبة 16 في المئة منذ نهاية يونيو/ حزيران، فيما وصل التضخم في أسعار القمح خلال يوليو/ آب والشهر الجاري إلى 70 في المئة .

وتعكس أزمة أسعار القمح عوامل مناخية، كما هو الحال في روسيا وكبار المنتجين الآخرين . وتزايدت المخاوف من العودة إلى غليان عامي 2007 و2008 حين أخذت أسعار الحبوب والغذاء عموماً في الارتفاع بمعدل 30 في المئة سنوياً . إلا أن أسباب التضخم الحالي في الأسعار ليست لها علاقة كبيرة بأساسيات السوق من عرض وطلب بقدر ما هي مرتبطة بعوامل مؤقتة . والواضح أن هناك بعض المضاربة بسبب تراجع قيمة الدولار (والقمح أيضاً من السلع المسعرة بالدولار مثل النفط) خلال شهر يوليو/ تموز .

كما أن التعافي الاقتصادي العالمي ليس بالقوة التي تعني زيادة كبيرة في جانب الطلب تضغط على الأسعار صعوداً، إذ يتوقع على نطاق واسع أن يضعف النمو الطفيف أصلا في اقتصاد الولايات المتحدة والاقتصادات الأوروبية في النصف

الثاني من العام الجاري، إضافة إلى أن النمو السريع في الاقتصاد الصيني مرشح للتراجع ربما بأكثر من نقطة ونصف النقطة المئوية خلال العام المقبل .

والأسباب التي تقف وراء موجة الارتفاع في أسعار القمح حالياً هي مناخية بالاساس وتؤدي بالتالي إلى هبوط في جانب العرض من السوق نتيجة تدهور المحصول بسبب الجفاف في روسيا وغيرها من دول البحر الأسود خاصة أوكرانيا وكازاخستان . ورغم أن الدولتين ليستا من المنتجين الكبار للقمح إلا أنهما من المصدرين البارزين خاصة لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا . ومما زاد من المخاوف بشأن جانب العرض أيضاً الأمطار الغزيرة أكثر من المعتاد في حزام زراعة القمح الكندي والجفاف الشديد في غرب أستراليا . ونتيجة تلك الظروف يتوقع تراجع المحصول هذا العام، فعلى سبيل المثال ينتظر أن يقل محصول روسيا من القمح هذا العام بنسبة 22 في المئة عن العام الماضي وأن يتراجع الانتاج الكندي بنسبة 23 في المئة .

ورغم زيادة المخزونات الصينية من الحبوب، فليس من المرجح أن يسهم ذلك في تخفيف حدة نقص العرض إذ إنها غالباً للاستهلاك المحلي وتفادي الشراء بأسعار عالية . لكن المخزونات في الولايات المتحدة واستراليا ودول الاتحاد الأوروبي كبيرة بما يكفي . وخاصة مخزونات أمريكا التي تعد الأعلى منذ 23 عاماً، كما أنها مرشحة لتعوض النقص في الامدادات من روسيا ودول البحر الأسود .

أضف إلى ذلك أن أسعار القمح العالية حالياً ستشجع كثيراً من المزارعين على التوسع في زراعة القمح، لذا يتوقع زيادة الانتاج حتى في ظروف مناخية غير مثالية . وإذا كانت عوامل المناخ الحالية يمكن أن تهبط بانتاج العام الجاري من القمح بما بين 4 و5 في المئة في المتوسط العالمي، فإن توقعات الأسواق متفائلة بزيادة الانتاج العام المقبل ربما بنسبة تصل إلى 3 في المئة، في الوقت الذي لا يتوقع فيه نمو استهلاك القمح عالمياً بأكثر من 2 في المئة .

لكن كل تلك التقديرات تفترض عدم حدوث كوارث مناخية وخفوت المضاربات في أسواق السلع، وذلك افتراض غير مضمون تماماً . لذا ستظل الدول المستوردة تعاني من نقص الامدادات وارتفاع الأسعار لفترة قد تضر بشكل ملموس باقتصادها وربما تجاوزت الاقتصاد إلى مشكلات أخرى .

* خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"