الاقتصاد المصري والأزمة

03:51 صباحا
قراءة 4 دقائق
رغم تصريحات المسؤولين المصريين بأن الاقتصاد المصري أقل عرضة للتأثر بالازمة الاقتصادية العالمية مقارنة بغيره من اقتصادات الدول الناشئة فإنَّ الوضع الاقتصادي المصري حاليا ليس على ما يرام . مع ذلك يظل التراجع في الاقتصاد اخف وطأة مما يجري في الاقتصادات الرئيسية في العالم بحسابات أرقام الاقتصاد الكلي من نمو الناتج المحلي الاجمالي وغيره . لكن اغلبية المصريين بدأوا يشعرون بتأثيرات الازمة العالمية سلبيا على تفاصيل حياتهم . ويبذل المسؤولون عن السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية جهودا هائلة لايجاد مخرج يحفظ ما تبقى من زخم النمو في السنوات الاخيرة للبناء عليه في حال التعافي بدلا من البدء من الصفر أو الوقوع أدناه .

في هذا السياق، يبدو ان المسؤولين عن السياسة النقدية يدرسون خياراتهم ومنها ترك العملة الوطنية، الجنيه المصري، ليرتفع سعرها أمام الدولار الامريكي والعملات الرئيسية الاخرى . صحيح ان التصريحات الرسمية للمسؤولين المصريين مفادها دائما ان سعر الصرف حر تماما وخاضع لمعايير السوق، لكن الكل يعرف ان البنك المركزي المصري يتدخل مباشرة او بشكل غير مباشر للحفاظ على قيمة الجنيه مع تغيرات طفيفة خاصة امام الدولار . واذا كانت مصر لا تواجه ضغوطا خارجية كبيرة بشأن سعر الصرف، فإنَّ واضعي السياسات النقدية يتحسبون لتبعات أي تغيير كبير في سعر الصرف على رجال الاعمال . فاذا كان المصدرون يفضلون عدم تدخل البنك المركزي لرفع قيمة العملة لأن العملة الضعيفة تساعد اعمالهم، فان المستوردين يفضلون جنيها قويا يحسن من هامش ربحهم فيما يستوردون بعملات اجنبية كالدولار واليورو .

واذا كان الموقف الرسمي المصري يفيد بأن الاقتصاد الوطني لم يتأثر كثيراً بالازمة الاقتصادية العالمية، لانه غير مكشوف تماما على اسواق المال العالمية، فذلك لا يمنع ما بدأ يشعر به المصريون من آثار سلبية للركود الاقتصادي العالمي في شكل الغاء وظائف وزيادة اعداد العاطلين عن العمل (المرتفعة اصلا) وعرقلة مشروعات كانت تحرك النشاط الاقتصادي في البلاد وتسهم في زيادة النمو الاقتصادي في السنوات الاخيرة . ويزيد ذلك من معضلة تواجه الفريق الاقتصادي في الحكومة المصرية الذي بدا خطوات اصلاح سريعة ومكثفة منذ نحو اربع سنوات كان من المنتظر ان يشعر عامة المصريين بآثارها الايجابية، لكن لم يحدث .

وفيما كان المسؤولون ينتظرون استمرار معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي عند متوسط 7 في المائة الذي حققه في السنوات الاخيرة، وربما زيادته، أدى الركود الاقتصادي العالمي إلى تحقيق نسبة نمو 3 .4 في المائة فقط في الربع الثالث من السنة المالية الجارية (يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار) . ومع ان نسبة النمو هذه تعد معقولة جدا مقارنة بالاقتصاد العالمي ككل، الا انها بالنسبة لمصر تعد تطورا سلبيا يحبط خطط الاصلاح والتنمية التي يعول عليها المسؤولون عن السياسات الاقتصادية والمالية في البلاد .

ويسعى وزراء المجموعة الاقتصادية للحد من تراجع الاستثمارات الاجنبية، التي شكلت مدخلا مهماً في النمو في السنوات الاخيرة . فبعد نمو سنوي بمعدل متوسط 77 في المائة في السنوات الاربع الاخيرة، اخذت تلك الاستثمارات في التراجع الآن . يعود ذلك إلى ان اكثر من 65 في المائة من الاستثمار الاجنبي المباشر في مصر أتى من بلدان مثل الولايات المتحدة وبريطانيا والكويت والامارات وهي في اغلبها دول تركز الآن في اقتصاداتها المحلية في ظل الازمة العالمية . ومما يضاعف من مشكلة الاقتصاد المصري ان معظم الشركات التي أسست عبر الاستثمارات الاجنبية كانت في قطاعات العقار والسياحة وهي من اكثر القطاعات تضررا من الازمة العالمية .

ومع تراجع دخل البلاد من العملة الصعبة نتيجة انخفاض عائدات قناة السويس وتحويلات المصريين في الخارج، يقع بعض العبء في ضبط حسابات الاقتصاد الكلي على السلطات المالية والنقدية . ويتحمل البنك المركزي المصري، مسؤولية كبرى في ضبط السياسة النقدية ضمن مهماته التي حددت في اطار عملية الاصلاح الاقتصادي .

ونهاية الشهر الماضي خفض البنك المركزي سعر الفائدة نصف نقطة مئوية للمرة الثالثة على التوالي ضمن جهوده لتقليل الاثار السلبية للركود العالمي . ووصلت نسبة الفائدة على الودائع لليلة واحدة الى 5 .8 في المائة (مقابل 10 في المائة في مارس/آذار) ونسبة الفائدة على الاقراض الى 10 في المائة . واخذ البنك المركزي المصري في الاعتبار تراجع معدل التضخم ومعدل النمو الاقتصادي المعقول في الربع الثالث .

ويتوقع المحللون ان يتوقف البنك لفترة عن خفض الفائدة شهرياً إلى حين رصد اثار عمليات التخفيض المتلاحقة ومراقبة معدل التضخم أيضا . لكن قراءة الارقام للاقتصاد الكلي وتوقعات المؤسسات الدولية تشير إلى ان الاحتمال قائم بتخفيض الفائدة مرتين على الأقل حتى نهاية العام ومطلع العام المقبل .

يبقى ان ضبط السياسة النقدية لا يمكنه وحده الحد من الآثار السلبية للازمة العالمية على الاقتصاد المصري . ومع احتمال الا تسفر جهود الحكومة عن زيادة ملموسة في الاستثمارات الاجنبية وتوقع استمرار تراجع الدخل القومي لفترة لا ينتظر ان تشهد مصر تعافيا مبكرا مثل بقية الاقتصادات الصاعدة والناشئة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"