البنوك الإسلامية وأزمة القطاع المصرفي

01:47 صباحا
قراءة 4 دقائق

سارع بنك انجلترا المركزي البريطاني والاحتياطي الفيدرالي البنك المركزي الامريكي الى نفي التقارير الصحافية حول مشاركتهما في جهد موحد للبنوك المركزية للدول الكبرى لشراء سندات مؤمنة برهن عقاري (MBS) . وعلى الرغم من ذلك، فان اللقاء التشاوري بين المركزيين عبر الاطلسي يدل على عمق الازمة التي يواجهها القطاع المصرفي العالمي . وكانت مسارعة بنك انجلترا لنفي اي اتفاق محدد بشان شراء تلك السندات بغرض تفادي الاتهام باستخدام اموال الضرائب المحصلة من ملايين المواطنين لانقاذ البنوك التي تحقق ارباحا بالمليارات وتشكو الان من انكماش ائتماني بسبب ازمة القروض العقارية الرديئة في الولايات المتحدة وانكشافها على مخاطر نتيجة مضارباتها الاستثمارية .

هذا المأزق الأخلاقي الذي قد يحد من حرية تصرف المركزي البريطاني ربما لا يقيد المركزي الامريكي بالقدر ذاته، لكن مع فشل التدخلات المتكررة منذ بداية العام بضخ البنوك المركزية المليارات الى الاسواق المالية في تخفيف حدة ازمة الانكماش الائتماني تحتاج الازمة المصرفية العالمية الى حلول مبتكرة . ربما لا يمكن تكرار ما حدث مع البنك العقاري البريطاني نورذرن روك، الذي اشترى بنك انجلترا كل اصوله الرديئة باموال دافعي الضرائب، ومع بنك بير ستيرنز الاستثماري الامريكي الذي انقذه الاحتياطي الفيدرالي بضمان اصوله لمصلحة جيه بي مورغان تشيز . لكن مع ما يبدو من عمق الازمة المالية العالمية، وتضافرها مع ركود امريكي واحتمالات ركود تضخمي متوسط الامد في بقية انحاء العالم، ستحمل الحلول المتوقعة جوانب اخلاقية سلبية . وربما يفيد هنا ذكر مثال شركة الاستثمارات الخاصة الكبيرة كارلايل غروب، ذات الصلات السياسية العليا القوية، والتي حققت ارباحا بأكثر من عشرين مليار دولار في فترة وجيزة من مضارباتها في اسواق المال، ومنها توريق ديون الرهن العقاري، وتريد انقاذها باموال الحكومة لانها تكاد تنكشف على مخاطر بنحو سبعة مليارات دولار .

هنا يأتي تميز البنوك الاسلامية التي لا تعتمد ذات الوسائل المصرفية والمالية للبنوك التقليدية في توزيع مخاطرها وربط محافظها الاستثمارية باصول تحمل شبهات ربوية . فمثل صرامة عدم التعامل بالفائدة التقليدية، واعتماد اشكال المشاركة والمرابحة، لا تتعامل البنوك الاسلامية في توريق الديون المرهونة بقروض عقارية تقليدية وبالتالي لم تتأثر كثيرا بازمة القروض العقارية الامريكية . كما ان توفر السيولة الكبيرة في دول الخليج العربية، حيث النشاط الاكبر للبنوك الاسلامية، بسبب فوائض عائدات النفط يحمي البنوك الاسلامية من ازمة الانكماش الائتماني .

صحيح ان مسألة الشفافية والإفصاح تحد من قدرة المتابعين للقطاع المصرفي العربي على تقييم اوضاعه، وضمنه البنوك الاسلامية، الا ان ما اعلن حتى الان من انكشاف بنوك المنطقة على مخاطر السندات المرهونة بقروض عقارية رديئة ليس بالقدر الكبير . فلم تتجاوز تلك الخسائر حجم المليار دولار الا بقليل، تحملت القدر الاكبر منها اربعة بنوك اقليمية هي بنك البحرين والكويت (ومقره البحرين) الذي شطب ديونا بنحو 62 مليون دولار وبنك أبوظبي التجاري الذي شطب 152 مليون دولار والمؤسسة المصرفية العربية التي شطبت 230 مليون دولار من القروض الرديئة . اما اكبر خسارة فكانت من نصيب بنك الخليج الدولي الذي اعلن عن خسائر صافية العام الماضي757،3 مليون دولار .

تلك هي الخسائر المعلنة حتى الان، وان كان من المحتمل ان الخسائر الحقيقية للبنوك التقليدية في المنطقة العربية نتيجة الازمة العالمية اكبر من ذلك . في الوقت نفسه لم تعلن اي من البنوك الاسلامية عن خسائر او مخصصات لشطب ديون نتيجة الازمة الحالية، فتجارة سندات الدين مرفوضة من قبل هيئات الاستشارة العلمية الدينية التي تشرف على نشاطات تلك البنوك وتحدد ما هو مسموح وما هو ممنوع طبقا للشريعة الاسلامية .

لكن ذلك لا يعني ان البنوك الاسلامية في مأمن من المخاطر في حال استمرار الازمة المصرفية العالمية وتعمقها، كما ان بعض العوامل الايجابية التي تحد من انكشاف القطاع المصرفي في المنطقة على المخاطر التي يعاني منها القطاع المصرفي العالمي قد تصبح داء اكثر منها دواء . فالسيولة المتوفرة في المنطقة تعني ان هناك قدراً كبيراً من الاموال في البنوك يتنافس على ادوات استثمارية محدودة، بعضها اصبح اكثر خطورة في ظل الازمة العالمية، ما يعني تركز المخاطر ويسبب مشكلة للقطاع بما فيه البنوك الاسلامية . كما ان ادوات الرهن في الصيرفة الاسلامية، مثل سندات الايجار وغيرها، تركز على الاصول العقارية الثابتة التي تشهد تزاحما استثماريا كبيرا في سوق محدودة . ومن شان ذلك ان يؤدي الى تضاعف حدة الغليان العقاري ما يهدد بكساد مؤلم يضر بالبنوك بشدة على المدى المتوسط، خاصة البنوك الاسلامية التي تركز مخاطرها الاستثمارية في العقارات والاراضي .

لكن يبقى، على الاقل حتى الان، ان المصارف الاسلامية بعيدة عن الجدل الاخلاقي المحيط بالحلول الممكنة للازمة المصرفية والمالية العالمية .

محلل اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"