التحويلات كمؤشر على الاقتصاد الخليجي

01:15 صباحا
قراءة 4 دقائق

مع أنه لم يسلم اقتصاد في العالم من الآثار السلبية للأزمة المالية والركود الاقتصادي العالمي، إلا أن اقتصادات الدول الخليجية عموما لم تتضرر نسبياً بقدر كبير، كما حدث مع الاقتصادات المتقدمة او كثير من الاقتصادات النامية .

لذلك تضعها معظم التحليلات في مكانة اقرب للاقتصادات الصاعدة جيدة النمو . ولعل من بين المؤشرات على ذلك هو استمرار تحويلات العاملين المغتربين في الخليج إلى بلادهم الاصلية بشكل جيد نسبيا مقارنة بتوجه التحويلات في العالم ككل .

فقد زادت التحويلات من دول مجلس التعاون الخليجي الست العام الماضي بنسبة 8 في المائة . وإن كان ذلك يعد بكل المعايير نمواً ضعيفاً، نتيجة الأزمة، اذا ما قورن بنسبة نمو للتحويلات عام 2008 التي كانت أكثر من 30 في المائة وبلغ اجمالي تحويلات العمالة الأجنبية من دول المجلس وقتها 40 مليار دولار، شكلت التحويلات من السعودية والإمارات القدر الأكبر منها .

تشير التقديرات المستقلة إلى ان هناك في دول مجلس التعاون الخليجي حوالي 12 مليون عامل مغترب، أغلبهم من دول آسيوية وإفريقية . وهاتان المنطقتان بالتحديد كانتا أقل تأثراً بالأزمة الاقتصادية العالمية على صعيد تراجع تحويلات عمالها المهاجرين، مقارنة مثلاً بالتحويلات إلى آسيا الوسطى أو أمريكا اللاتينية التي تعتمد على الوضع الاقتصادي في روسيا واوروبا والولايات المتحدة الأمريكية .

فعلى سبيل المثال، ارتفعت التحويلات إلى باكستان في الاشهر السبعة الاولى من العام المالي المنتهي الشهر المقبل بنسبة سنوية تقدر بنحو 22 في المائة لتصل إلى 2 .5 مليار دولار في تلك الفترة، وذلك نتيجة الارتفاع الهائل في تحويلات الباكستانيين العاملين في الامارات (زيادة بنسبة 127 في المائة) وفي بريطانيا (زيادة بنسبة 90 في المائة) وفي السعودية (زيادة بنسبة 19 في المائة) . اما في بنغلاديش، فارتفعت التحويلات من عمالتها المهاجرة للخارج في الاشهر السبعة المنتهية في يناير بنسبة 21 في المائة إلى 5 .6 مليار دولار .

واذا كانت الفلبين تعد نموذجا للتعرف إلى وضع التحويلات العالمية للعمالة المهاجرة، نتيجة حجم الانسياب الكبير للتحويلات إليها (17 مليار دولار) ونسبة تلك التحويلات من الناتج المحلي الاجمالي للبلاد (11 في المائة)، فإنها شهدت زيادة أيضاً . اذ تشير ارقام البنك المركزي الفلبيني إلى ان تحويلات الفلبينيين العاملين في الخارج ارتفعت العام الماضي بنسبة 6 .5 في المائة . ومع ان ذلك الارتفاع يعد متواضعاً نسبياً، مقارنة مع معدلات زيادة التحويلات في السنوات السابقة، إلا أنه أدى إلى ارتفاع الاستهلاك الخاص في البلاد بنسبة 8 .3 في المائة وهي نسبة نمو اكبر بكثير من نسبة نمو الاقتصاد الفلبيني ككل خلال العام .

ولبيان اهمية التحويلات من دول الخليج كمؤشر على اداء اقتصاداتها تتعين مقارنتها بتحويلات العمالة المهاجرة من دول اخرى والتي تضررت بقدر اكبر .

فمع تراجع الاقتصاد الروسي بنسبة 8 في المائة في العام الماضي، شهدت الدول التي تصدر عمالتها اليه تراجعا حادا في تحويلات العمالة المغتربة . على سبيل المثال انخفضت التحويلات إلى طاجيكستان اكثر الدول اعتمادا على تحويل عمالتها المهاجرة بنسبة 35 في المائة في الاشهر التسعة الاولى من عام ،2009 إذ إن اغلب العمال الطاجيكيين المهاجرين يذهبون إلى روسيا . كذلك ادى التراجع الاقتصادي الكبير في الولايات المتحدة إلى هبوط حاد في تحويلات العمالة المغتربة إلى دول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي . فعلى سبيل المثال تراجعت تحويلات العمال السلفادوريين المغتربين في أمريكا على مدى 15 شهرا متتالية، في اطول تراجع شهري مستمر، وتراجعت التحويلات اجمالا في عام 2009 بنسبة 6 .8 في المائة . وشهدت هندوراس تراجعاً في تحويلات عمالها المهاجرين للخارج بنسبة 5 .12 في المائة العام الماضي . أما المكسيك، التي تعد ثالث اكبر متلقي للتحويلات في العالم، فقد تراجعت تحويلات عمالتها المهاجرة بنسبة 16 في المائة في العام المنتهي في يناير حسب ارقام البنك المركزي المكسيكي .

واجمالا، تشير الأرقام والبيانات إلى ان تحويلات العمالة المهاجرة في العالم تراجعت قليلا العام الماضي، وان كان يتوقع ان تعاود الارتفاع العام الجاري . وحسب ارقام البنك الدولي التي تستند إلى بيانات البنوك المركزية للدول المعنية كانت نسبة التراجع في اجمالي تحويلات العاملين المغتربين في العالم العام الماضي عند 6 في المائة لتصل إلى نحو 317 مليار دولار . ورغم ان نسبة التراجع بسيطة، الا ان اهميتها تقاس بمقارنتها بنسبة نمو التحويلات في العالم عام ،2008 حين وصل اجماليها إلى 8 .337 مليار دولار، مقابل اقل من 300 مليار قبل عامين .

ومن هنا يتضح تأثير ذلك التراجع البسيط في اقتصادات الدول المصدرة للعمالة والتي يعتمد اقتصادها على تلك التحويلات بنسب كبيرة .

وكان اهم ملمح في حركة التحويلات عالمياً هو ان السيناريو الأسوأ الذي توقعه البعض مع بداية الأزمة الاقتصادية العالمية، من رحيل جماعي للعمالة الأجنبية من الدول التي تهاجر إليها، لم يحدث . ولم يكن تأثير تراجع تحويلات العاملين في الخارج متساوياً في كل المناطق والبلاد .

فإذا كانت الصين والهند هما اكبر بلدين من حيث حجم تحويلات العمالة في الخارج المنسابة اليهما، فإن تلك التحويلات لا تشكل سوى قدر ضئيل من الناتج المحلي الاجمالي لكلا البلدين (1 في المائة و4 في المائة على التوالي) .

لكن تحويلات العمالة المهاجرة تشكل نسبة كبيرة من مكون الناتج المحلي الاجمالي لعدد من الدول، وتعتمد تلك الدول على التحويلات بشكل كبير جدا . على سبيل المثال تشير ارقام البنك الدولي إلى ان تحويلات العمالة المغتربة شكلت 50 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي لطاجيكستان و38 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي لتونغا و31 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي لمولدوفا .

ومع استمرار التحسن في الأداء الاقتصادي في دول الخليج، ومن ثم الطلب على العمالة المهاجرة، يتوقع أن تواصل تحويلات العاملين من المنطقة إلى بلادهم الاصلية الارتفاع .

ويقدر البنك الدولي نمو اجمالي تحويلات العمالة المغتربة خلال عام 2010 بنسبة بسيطة، لتصل إلى 6 .321 مليار دولار . ومرة أخرى، يتوقع ان يكون التعافي في تحويلات العمالة المهاجرة من آسيا وافريقيا أفضل بكثير من نمو تحويلات العمالة من اوروبا الشرقية وآسيا الوسطى واوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"