النفاق الاقتصادي الأوروبي

01:41 صباحا
قراءة 3 دقائق

في الوقت الذي تثار فيه ضجة بشأن تفعيل اتفاق أوروبي يعود إلى عام 2005 بشأن منتجات المستوطنات الإسرائيلية، وتصريحات مسؤول دولي بضرورة مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، يكشف تقرير لرابطة مجموعة من المنظمات غير الحكومية الأوروبية أن دول أوروبا تدعم عمليا بقاء المستوطنات وازدهارها . وقد حذر بعض المسؤولين الأوروبيين بالفعل من ان ملايين الدولارات التي يدعم بها الاتحاد الأوروبي الفلسطينيين سنويا تذهب هباء حيث لا يمكنهم تطوير اقتصادهم في الوقت الذي يحظى فيه اقتصاد المستوطنات بدعم حكومي إسرائيلي وتشجيع أوروبي بالتجارة مع تلك المستوطنات وهي بحكم القانون الدولي غير شرعية .

الفجاجة الواضحة كانت في الموقف الأمريكي من دعوة أحد المفوضين الدوليين التابعين للأمم المتحدة لمعاقبة الشركات التي تتربح من التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية في الأرض المحتلة والاستثمار فيها . وشنت مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة هجوما حادا على مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية ريتشارد فولك، الذي دعا فيه إلى مقاطعة الشركات الإسرائيلية والدولية التي تتربح من المستوطنات الإسرائيلية . وقالت المندولة الأمريكية إن فولك كان طوال فترة توليه منصب المقرر الخاص متحيزا للغاية وأدلى ببيانات هجومية على إسرائيل طبعا وليس أمريكا . وكان ريشارد فولك قد دعا في تقريره إلى مقاطعة الشركات الإسرائيلية والدولية التي تتربح من المستوطنات وتشارك في إنشائها وصيانتها إلى أن تلتزم تلك الشركات بالقانون الدولي، ومن هذه الشركات كاتيربيللير وموتورولا وهيوليت باكارد الأمريكية ومجموعة فولفو السويدية .

أما التقرير الذي أعدته 22 منظمة غير حكومية أوروبية بعنوان يتاجرون بالسلام . . . كيف تساعد أوروبا وجود المستوطنات غير القانونية فيخلص إلى أن صادرات المستوطنات الإسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة إلى أوروبا تبلغ 15 ضعف صادرات الفلسطينيين إلى أوروبا . فمقابل صادرات إسرائيلية من منتجات المستوطنات تصل إلى 300 مليون دولار سنويا، لا يزيد إجمالي صادرات الفلسطينيين إلى أوروبا عن 20 مليون دولار . ويصل إجمالي حجم الصادرات الإسرائيلية إلى الدول الأوروبية سنويا إلى 15 مليار دولار . ويبرز التقرير التناقض الصارخ بين تصريحات المسؤولين الأوروبيين عن عدم قانونية المستوطنات وبين الدعم العملي لتلك المستوطنات وحجم التجارة معها ما يوفر لها شريانا اقتصاديا مهماً للبقاء والتوسع .

ويقدر التقرير أن منتجات المستوطنات تشكل قدراً كبيراً من صادرات الخضار والفاكهة إلى أوروبا، التي تحظى بنسبة 66 في المئة من الصادرات الإسرائيلية منها . ولعدم تصنيف إسرائيل بين منتجات المستوطنات وغيرها، فإن أوروبا تستورد قدراً كبيراً من منتجات تلك المستوطنات من الخضار والفاكهة . فعلى سبيل المثال تعد نسبة 80 في المئة من التمور المنتجة من مستوطنات غور الأردن للتصدير، وفي العام الماضي صدرت إسرائيل 25 ألف طن من التمور إلى أوروبا بينها 12 ألف طن من المستوطنات (ما يقارب نصف الصادرات لأوروبا) في المقابل لم تزد صادرات التمور الفلسطينية إلى أوروبا عن 300 طن فقط .

كان الاتحاد الأوروبي وإسرائيل وقعا عام 2005 اتفاقا يتيح التفريق من بين السلع المصدرة إلى الاتحاد الأوروبي المنتجة في المستوطنات وغيرها . لكن، وحسب تقرير المنظمات غير الحكومية، فإن معظم دول الاتحاد الأوروبي ومن بينها فرنسا لا تعتمد ملصقات صحيحة وهي تترك المستهلكين في جهل حيال المصدر الحقيقي لتلك السلع . وبريطانيا والدنمارك فقط طلبتا من الموزعين وضع ملصقات الضفة الغربية - إنتاج مستوطنة إسرائيلية أو إنتاج فلسطيني على حسب المصدر على السلع المنتجة في الضفة الغربية المحتلة كالتمور والعنب والحمضيات وكذلك مستحضرات التجميل اهافا أو أثاث البلاستيك كيتير للحدائق .

يذكر أنه في يوليو/ تموز الماضي عزز الاتحاد الأوروبي صلاته مع إسرائيل في إطار اتفاق شراكة بالرغم من انتقادات الفلسطينيين وبعض المنظمات غير الحكومية . وتشن إسرائيل حملة قوية، بمساندة أمريكية، لإفشال أي تحرك عملي أوروبي يميز منتجات المستوطنات بما قد يؤدي إلى مقاطعة المستهلكين الذي لا يؤيدون الاحتلال لها . ولا يقتصر الأمر على أوروبا، بل ان جنوب إفريقيا مثلاً اتخذت قراراً بهذا الشأن تضغط إسرائيل بشدة من أجل تأجيل تنفيذه . والمثير ان بعض الدول العربية تستورد منتجات المستوطنات في الأغلب عبر أطراف ثالثة من دون وضوح مصدرها وتستهلكها من دون أي غضاضة . ولعله من المفيد الانتباه إلى أهمية هذا الجانب الاقتصادي في محاولة الحفاظ على الحد الأدنى من الحقوق، وربما تحتاج أوروبا إلى دفعة من ضغط عربي للتخلي عن نفاقها الاقتصادي هذا تجاه الاحتلال .

* خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"