تشابهات الاقتصاد البريطاني واليوناني

03:05 صباحا
قراءة 4 دقائق

رغم أن مشكلة ديون اليونان الهائلة (300 مليار يورو) هي الطاغية على الإعلام، إلا أن اغلب الاقتصادات الأوروبية تعاني من مشاكل مديونية كبيرة تهدد بمزيد من الضعف للعملة الأوروبية الموحدة، اليورو . واذا كان الإعلام يركز على دول مثل ايرلندا والبرتغال وإسبانيا، فإن اقتصاداً رئيسياً في أوروبا ربما كان في وضع يشبه وضع اليونان . ذلك هو الاقتصاد البريطاني، الذي حذر رئيس الوزراء جوردون براون من أن الأزمة التي عصفت به لم تنته بعد، رغم بعض المؤشرات الإيجابية على الخروج من الركود .

وليس في المقارنة مع اليونان أي مبالغة، فدين اليونان العام يصل الى 7 .12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ودين بريطانيا العام يمثل 6 .12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي . ويتوقع أن تصل نسبة العجز هذا العام (مع استمرار الاقتراض لتمويل الانفاق) الى 14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي . ويصل الدين العام في بريطانيا الى 178 مليار جنيه استرليني، يمكن أن تصل الى 200 مليار جنيه (300 مليار دولار) مع استمرار اقتراض الحكومة .

وإذا كان محافظ بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) مرفين كنغ ذكر مؤخراً أن بريطانيا ليست كاليونان، فهو يقصد أن مؤسسات التصنيف الائتماني قد لا تحرم بلاده من تصنيفها الممتاز . وفي ذهن كنغ أيضاً أن بريطانيا لديها عملتها، وليست مرتبطة باليورو، ما يمكنها من تحديد سياستها النقدية بشكل مستقل . إلا أن السياسة النقدية غير كافية وحدها للحد من التدهور في ظل مؤشرات قاتمة . فأغلب المؤشرات على الاقتصاد الكلي البريطاني لا تشجع على التفاؤل . فهناك تريليون جنيه استرليني من أموال الضرائب تم حقنها في القطاع المصرفي في شكل ضمانات ديون واعتمادات، إضافة الى 20 مليار جنيه استرليني كخطة تحفيز للنشاط الاقتصادي، وتم طبع نقد بقيمة 200 مليار جنيه استرليني ضمن ما يسميه بنك انجلترا التسهيل الكمي .

ولا تزال البطالة عند معدلات عالية، وإنفاق المستهلكين متدنياً وتعاني العملة الوطنية الجنيه الاسترليني من ضغوط شديدة . ومع ارتفاع معدل التضخم فوق المستهدف الرسمي عند 2 في المائة أحدث أرقام التضخم الرسمية الشهر الماضي عند 5 .3 في المائة ومعدل فائدة هو الأقل في تاريخ بنك إنجلترا (حول 5 .0 في المائة) لا يتوقع تعافي الاسترليني قريباً . بل إن استمرار مشاكل الاقتصاد الكلي، وأي مغامرة سياسية لإنفاذ إجراءات حاسمة، قد يهوي بالعملة البريطانية أكثر، كما يتوقع المحللون . وهناك من يذهب الى حد تقدير أن تقل قيمة الاسترليني عن يورو واحد بنهاية هذا العام أو مطلع العام المقبل، وأن يصل الى ما فوق دولار واحد بعدة سنتات قليلة .

ويبدو أن نمو الناتج المحلي الإجمالي البريطاني في الربع الأخير من ،2009 لأول مرة منذ 18 شهراً، لم يقنع أحداً بأن ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا قد خرج تماماً من الركود وبدأ تعافياً مضطرداً . وكانت القراءة الأولى لأرقام الناتج المحلي الإجمالي أظهرت نموه بنسبة 1 .0 في المائة فقط، وجاءت القراءة الثانية لتشير الى نموه بنسبة 3 .0 في المائة . وتبقى هناك قراءة ثالثة ونهائية هذا الشهر . مع ذلك لا يمكن القول بعد إن الاقتصاد البريطاني خرج من الركود الذي دخله منذ أكثر من عام ونصف العام . فخروج اقتصاد ما من الركود يتطلب نمواً إيجابياً لربعين على التوالي، ويعني ذلك أن الاقتصاد البريطاني بحاجة لنمو أكبر أيضاً في الربع الجاري .

ومع أن كون الاقتصاد أصبح الموضوع الرئيسي في الحملة الانتخابية المبكرة لحزب العمال الحاكم حزب المحافظين المعارض، وبينهما الأحرار الديمقراطيون، قد يوحي بإيجابية، إلا أن العكس صحيح . فتكرار التصريحات والتعهدات والتوقعات من جانب الحكومة والمعارضة، بشكل متناقض في إطار التنافس السياسي، يزيد من ضبابية مستقبل الاقتصاد البريطاني ويعزز الرؤى المتشائمة بشأنه . ومؤخراً كان للخلاف بشأن موعد البدء في تقليل عجز الميزانية عبر إجراءات خفض إنفاق وزيادة الضرائب أثر سلبي في الاسترليني .

وعقب تصريحات لوزير خزانة حكومة الظل جورج اوسبورن قال فيها إن على بريطانيا البدء في خفض العجز الآن وإلا واجهت فقدان سيادتها الاقتصادية، حذر تقرير لبنك يو بي إس السويسري من مخاطر إجراءات سريعة وحاسمة لخفض عجز الميزانية على سعر الجنيه الاسترليني . وردت الحكومة بأن أي اجراء سريع لخفض العجز سيضر باحتمالات التعافي الاقتصادي، الذي يوصف بالهش . وبدأت توقعات باحتمالات كبيرة لانتكاسة أخرى في الاقتصاد البريطاني هذا العام، ليس فقط من المحللين والخبراء ولكن من جانب كبار السياسيين في الحكومة وخارجها . حتى محافظ البنك المركزي كنغ حذر من ذلك الاحتمال، وبعده كرر براون أن العاصفة لم تهدأ بعد .

بقي أن تنظيم الألعاب الأولمبية عام 2004 في اليونان، والخسائر الهائلة بالمليارات كانت مقدمة شبه إفلاس أثينا الآن . وفي عام 2012 تنظم بريطانيا الألعاب الأولمبية، وقد تضاعفت كلفتها مرات الى أن قاربت 20 مليار دولار . فهل تكون أولمبياد لندن كمثيلتها اليونانية بداية انهيار اقتصادي، أم رافعة تجعل بريطانيا فعلاً غير اليونان . لنر!

محلل اقتصادي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"