تغير توجهات الاستثمار الاجنبي المباشر

03:59 صباحا
قراءة 5 دقائق

رغم التغطية الاعلامية السلبية والدعاية المغرضة التي صاحبت ازمة ديون شركة دبي العالمية الا ان المنطقة العربية، ومنطقة الخليج وفي القلب منها الامارات ظلت نقطة جذب للاستثمار الاجنبي المباشر في الآونة الاخيرة . ولم يكن ذلك استثناء من تغيّر هيكلي طرأ على انسياب رؤوس الاموال عبر حدود القارات والدول في السنوات الاخيرة وميز بالتالي نصيب الاقتصادات المختلفة من رؤوس الاموال تلك .

ومن احدث الادلة على ذلك ان اعلان المؤسسة المالية الاستثمارية بيرينغس اسيت مانيجمنت عن انشاء صندوق استثماري لمنطقتنا، للاستثمار في اسهم الشركات المسجلة في بورصاتها .

ويستهدف صندوق الشرق الاوسط وشمال إفريقيا لبيرينغس اسواقا مثل مصر وتركيا والامارات والسعودية، ويركز بالاساس على المؤسسات المالية، مثل بنوك في الامارات، و مصر وتركيا بالاضافة الى قطاع الاتصالات في مصر وقطر حسب ما اعلن البنك الاستثماري .

وبالنسبة لمصر، على سبيل المثال، بلغ اجمالي انسياب استثمارات المحافظ اليها 6 .1 مليار دولار في النصف الثاني من العام الماضي (الفترة من يوليو الى ديسمبر 2009)، مقارنة مع حجم خروج لرؤوس الاموال بلغ 4 .7 مليار دولار في الفترة نفسها من عام ،2008 كذلك بدأ عدد من البنوك التجارية الكبرى في العالم الاحتفاظ بمراكز بالجنيه المصري الذي احتفظ بقيمته مقابل الدولار شبه ثابتة في الآونة الاخيرة وتوفر الودائع به عائدا مغريا بنسبة 10 في المائة .

تلك مجرد أمثلة قليلة على أن المنطقة حافظت على وضعها كجاذب للاستثمار، وذلك مرشح للتطور والنمو في ظل ما يبدو من تحسن في القطاع المالي العالمي ودبيب الحياة حثيثا في قطاع الاستثمار بعد جمود العامين الماضيين نتيجة الازمة المالية العالمية والركود الاقتصادي .

وهذا ما تدل عليه احدث البيانات المتعلقة بالقطاع، إذ تشير ارقام وتوجهات الاستثمار الاجنبي المباشر بنهاية العام الماضي ومطلع هذا العام، الى ان الاسواق الصاعدة خاصة في آسيا ومنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا اصبحت نقطة جذب لرؤوس الاموال تلك، ربما اكثر من الدول المتقدمة اقتصاديا .

ولا يقتصر السبب على التغيرات الهيكلية في الاستثمار الاجنبي المباشر، اشكاله ومقاصده، بل يرجع ايضا الى تحسن المناخ الاستثماري في تلك الاقتصادات الصاعدة ومعدلات النمو العالية لها التي ظلت جيدة نسبيا خلال الازمة .

ومؤخرا ذكرت الفاينانشيال تايمز البريطانية ان المستثمرين عادوا الى ضخ الاموال مجددا في منافذ ومشتقات، كانت تعد عالية المخاطر خلال عامي الازمة الماضيين . وبدا ان شهية المستثمرين انفتحت اكثر على السندات عالية العائد وديون الاسواق الصاعدة .

ومع ان ذلك الشكل من اشكال الاستثمار ليس المعبر الرئيسي عن حركة الاستثمار الأجنبي المباشر، الا ان تلك الاستثمارات تشير الى عودة انسياب الاموال عبر الحدود الى النشاط بعد تراجع شديد على مدى عامين .

وحسب ارقام مؤسسة إي بي اف آر غلوبال شهد الاسبوع الاول من شهر مارس ضخ المستثمرين لنحو 3 .2 مليار دولار في السندات عالية العائد وديون الاقتصادات الصاعدة، بمعدل 2 .1 مليار في الاولى و1 .1 مليار في الثانية .

ولأن المكون الرئيسي في الاستثمار الأجنبي المباشر هو عمليات الدمج والاستحواذ، فقد تأثر بشدة خلال عامي الازمة نتيجة التراجع في تلك العمليات التي تميز الاقتصادات المتقدمة اساسا . وبشكل عام تراجع حجم الاستثمار الاجنبي المباشر في العالم في العامين الاخيرين، بعدما وصل الى اعلى مستوياته عام 2007 متوجا اربعة أعوام من عمليات الدمج والاستحواذ شهدت صفقات هائلة ليبلغ 08 .2 تريليون دولار امريكي .

فقد انخفض حجم الاستثمار الاجنبي المباشر في العالم عام 2008 بنسبة 17 في المائة ليصل الى 72 .1 تريليون دولار، ثم تراجع اكثر في العام الماضي الى 1 تريليون دولار فقط، أي منخفضا بنسبة 41 في المائة .

وحسب تقرير لوحدة تحليل معلومات الايكونوميست فإن حركة الاستثمار الاجنبي المباشر الى الاسواق الصاعدة كانت في وضع افضل نسبيا عن نظيرتها في الاقتصادات المتقدمة خلال الازمة . فعلى سبيل المثال، تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل الى الاقتصادات المتقدمة في عام 2008 بنحو الثلث تقريبا، فيما زاد الاستثمار الاجنبي المباشر المتجه الى الاسواق الصاعدة بنسبة 11 في المائة . اما في عام ،2009 فقد انخفض انسياب الاستثمار الاجنبي المباشر الى الأسواق الصاعدة بقدر ملحوظ ليصل الى 532 مليار دولار، متراجعا بنسبة 36 في المائة . لكن تراجعه هذا ظل اقل من التراجع في الاستثمار الأجنبي المباشر المتجه الى الاقتصادات المتقدمة، الذي انخفض بنسبة 45 في المائة ليصل حجمه الى 488 مليار دولار . وهكذا، وللمرة الاولى تتفوق الاقتصادات الصاعدة على الاقتصادات المتقدمة في جذب الاستثمار الاجنبي المباشر . ويبدو ذلك تصحيحا لتوجه ذلك الاستثمار الذي اعتاد على مخالفة القواعد البسيطة التي تقول ان رؤوس الاموال تنساب من المناطق الغنية الاكثر وفرة الى المناطق الافقر والاقل أموالاً . لكن توجه الاستثمار الأجنبي المباشر على مدى عقود كان بالعكس، أي ان الاقتصادات المتقدمة الغنية بتراكم رؤوس الاموال كانت تجذب القدر الاكبر من حجم الاستثمار الأجنبي المباشر عالميا .

وبالطبع كان ذلك عائدا الى تقدم البنية الاقتصادية وجودة المناخ الاستثماري في تلك الاسواق المتقدمة ما يعني مخاطر اقل للمستثمرين . كما ان الشركات والكيانات الاقتصادية الكبرى التي تشهد عمليات دمج واستحواذ في الاغلب موجودة في الاقتصادات المتقدمة .

وتشير الارقام الاخيرة، وبحوث وتحليلات اقتصادية ومالية عديدة، الى ان ذلك التوجه يتغير، ليس فقط بسبب التراجع الشديد في عمليات الدمج والاستحواذ في الاقتصادات المتقدمة ولكن ايضا بسبب تغير عوامل جذب الاستثمارات في الاقتصادات الصاعدة ذاتها . وربما هذا ما جعل الاقتصادات الصاعدة تتجاوز الاقتصادات المتقدمة في نصيبها من حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم، وهو توجه مرشح للاستمرار .

ولا يقتصر الأمر على اقتصادات كبيرة سريعة النمو كما في الصين والهند، بل يمتد ليشمل اسواقا صاعدة اخرى منها منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا وبعض اقتصادات امريكا اللاتينية . وربما كان الاستثناء من ذلك هو اقتصادات أوروبا الشرقية، التي تعاني من مشاكل هيكلية شبه كارثية منذ تحولها من الاقتصاد المركزي الى السوق المفتوح .

ومع عودة الاستثمار الاجنبي المباشر الى عافيته، وخروج الاقتصاد العالمي من الركود وانفراج ازمة الانكماش الائتماني، يتوقع استمرار اغراء الاقتصاد الصاعدة، ومنها منطقتنا، لانسياب تلك الاستثمارات . ولا تعتمد الاغراءات فقط على الفوائض النقدية الكبيرة من عائدات الصادرات المواد الاولية وفي مقدمتها النفط والغاز، بل ان كثيرا من العقبات امام استثمار الاجانب في أسواق منطقتنا تجري إزالتها بدرجات متفاوتة بين بلد وآخر ولكن بصورة مضطردة نسبيا . ومن الامثلة السريعة على ذلك، التطوير المستمر لقوانين وقواعد النشاط الاقتصادي والتي تيسر الى حد كبير استثمار الاجانب في أسواق المنطقة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"