كارثة الركود الثاني

02:30 صباحا
قراءة 3 دقائق

تتزايد في الآونة الأخيرة التحليلات والتوقعات بأن العالم يواجه خطر الدخول في ركود ثانٍ، على الرغم من إشارات النمو والتعافي في كثير من الاقتصادات الرئيسية . لكن كثراً من المتشككين يرون أن الأزمة المالية لم تنته بعد، وأن حجم المشكلة أكبر بكثير مما صرح به حتى الآن وأخذ في الحسبان لدى وضع التقييمات والتوقعات . إنما العامل الحاسم في تصاعد موجة التشاؤم باحتمال الدخول في الركود مجدداً وانهيار التعافي الهش، فهو بدء كثير من الحكومات في سحب خطط التحفيز الاقتصادي على اعتبار أن الاقتصاد عاد للنمو . هذا بالإضافة إلى خطط التقشف في اقتصادات رئيسية تستهدف خفض عجز الميزانية بضغط الإنفاق العام وزيادة الضرائب وتقليل الأجور . والخطر الحقيقي في الركود الثاني هو زيادة احتمال دخول العالم في كساد عميق لا تنفع معه كل السياسات النقدية والاقتصادية المتاحة للسلطات .

ولعل في نموذج بريطانيا ما يعزز تخوف هؤلاء الذين يتوقعون الركود ثانية، خاصة مع حكومة ائتلاف المحافظين والأحرار الديموقراطيين . ورغم التبريرات التي تبدو اقتصادية صرفة، فإن حكومة المحافظين تسعى لتحقيق أهداف محددة بسرعة تستند إلى أيديولوجية الحزب التي لم تتغير كثيراً وتخدم مصالح قاعدته من رجال الأعمال بطريقة تتسم بقصر نظر شديد .

بدأت الحكومة الجديدة وبعد توليها مهامها بأيام بخفض سريع في الانفاق، تلاه ميزانية طارئة الشهر الماضي تضمنت تخفيضات جديدة وتستعد ربما لتخفيضات أخرى قبل موعد الميزانية في إبريل/نيسان يتوقع أن تكون في أكتوبر/تشرين الأول أو نوفمبر/تشرين الثاني . ومن التخفيضات المعلنة والمتوقعة تسعى الحكومة إلى إلغاء ربع القطاع الحكومي والعام، بهدف معلن هو ضبط حساباتها العامة وتقليل عجز الميزانية الناجم عن الاقتراض الحكومي للانفاق . ويتزامن مع ذلك رفع الضرائب وتجميد أو تقليل الاجور ونسف معاشات التقاعد (التي سدد العاملون اموالها بالفعل) . ومع أن ذلك يعني نظرياً تقليل العبء المالي على الحكومة وزيادة عائداتها من المواطنين ومن ثم تحسين وضع دفاترها، إلا أن تبعاته على الاقتصاد ككل كارثية . وأول وأهم تلك التبعات هو الزيادة الهائلة في ارقام البطالة، إذ يتوقع ان تؤدي التخفيضات في القطاع العام إلى تسريح مليون شخص على الاقل . وبإضافة هؤلاء إلى ارقام العاطلين عن العمل بالفعل نتيجة الأزمة والركود ستزيد نسبة البطالة على عشرة في المائة .

وتتجاوز مشكلة البطالة كونها أزمة اجتماعية وسياسية فحسب، بل هي اقتصادية بالأساس إذ إن زيادة أعداد العاطلين وتراجع الاجور مع زيادة الضرائب يؤدي إلى تردي انفاق المستهلكين الذي يشكل النسبة الاكبر من الناتج المحلي الاجمالي .

وتدرك دوائر الاعمال التي تشكل السند الاساسي للمحافظين، خطورة ما يجري وهي من تحذر الآن من احتمالات الركود الثاني (ربما كي لا يوجه لها اللوم بأنها نصحت الحكومة بما أغرقها وأغرق البلاد في كساد) .

أما الحجة الاساسية للحكومة من ان اجراءات التقشف ستخفض عجز الميزانية، فلا يتوقع ان تتحقق لأن البطالة وتراجع النشاط الاقتصادي سيقضيان على آفاق النمو ومن ثم ستزداد فجوة العجز حتى لو قللت الحكومة من الاقتراض .

ويعد ما يجري في بريطانيا نموذجاً مثالياً لتكرار الاخطاء التي قد تقضي تماماً على آمال التعافي الاقتصادي وتعيد الركود الذي يقود للكساد .

* خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"