«قَتلتكَ يا موتُ الفنونُ جميعها»

04:37 صباحا
قراءة دقيقتين
يوسف أبو لوز

عاش ليوناردو دافنشي من العام 1452 إلى العام 1519. بيننا وبينه الآن نحو 500 عام من الحروب والعلوم والفنون والأوبئة، وفي كتابه «الأعمال الأدبية»، ترجمة الشاعر السوري أمارجي، نقرأ 174 نبوءة، منها ما يمكن أن ينطبق على مصير الإنسان الذي يقف عاجزاً مضطرباً أمام فيروس أو ميكروب يفتك بالبشرية في دورات وبائية من زمن إلى آخر، بل من حضارة إلى حضارة عبر التاريخ الذي لا يخرّبه الطغاة وحدهم، بل، ومعهم الأوبئة.
«كورونا»، شئنا أم أبينا، أصبح «المانشيت» الخبري السابق على «المانشيت» السياسي. فيروس مجرم، وأكثر إجراماً منه مَنْ صَنّعه، ونشره، ومن يقوم باستثماره.
ومن هم أكثر خبرة في التحليل والتعليق الصحفي في مثل هذه الحالة يقولون إنه وباء، وليس تمثيلية، بل وباء فاق أو قد يفوق كارثية الكوليرا، والطاعون، والجدري. هناك من يقول إن في القصة العالمية هذه ما هو سياسي، أو ما يُحال إلى ما هو اقتصادي، أو ما يحال إلى أنه تآمري، وفي كل الأحوال ها نحن اليوم والآن في وضع بشري خائف.
لا سلامات ولا مصافحات. عليك أن تبتعد عن الآخر البشري أكثر من مترين. يُفضّل الكلام القليل والمجاملات القليلة. صورة جديدة تماماً للإنسان وللعالم في حوالي شهرين فقط. اليوم والآن تتوفر مادة يومية للروائي والشاعر والمسرحي والرسام إذا أرادوا التوثيق للوباء عبر الفن، ومحمود درويش يقول: «قَتَلتْكَ يا موتُ الفنونُ جميعها».
ولكن، ماذا عن نبوءات ليوناردو دافنشي هذا الذي يشبه «الجوكر»، فإذا أردت أن تعرف شيئاً عن الرسم يدلّك إلى اللون والضوء، وإذا أردت أن تعرف شيئاً في علوم التشريح والنبات يعطيك المفتاح، وإذا أردت مخططاً لبناء كنيسة مثلاً أو لصناعة سلاح يعطيك المخطط، وإذا أردت الشعر لا يبخل عليك صاحب «الموناليزا»، المرأة العادية، الغامضة التي حوّلها إلى قصيدة عالمية.
«كورونا» أيضاً «قصيدة عالمية»، لكنها قصيدة رثائية. قصيدة فيروسية متوحشة. يقول دافنشي قبل 400 عام: «سوف يمتلئ الفضاء بسلالة متوحشة مجنّحة، تغيرُ على البشر والحيوانات، وتتغذّى عليهم بصرخات مهولة».
ويقول في مكان آخر: «لسوف يلمُّ بالبشر وباء من مثل هذا حيث يمزّق كل امرئ جسده بأظفاره».
تنبّأ دافنشي بتفشي أوبئة كارثية في العالم، لكنه في الوقت نفسه توقع للإنسان ما هو أجمل، فما من وباء يدوم إلى الأبد، وهذا هو النصف الآخر من كأس الماء. النصف الملآن وليس النصف الفارغ. المتفائل، وليس المتشائم.
غداً أو بعد غد تعود أرض البشر إلى عافيتها، وهناك دائماً ما يليق بمن يُعمّر الحياة ويستثمر في الجمال.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"