ما الذي فعلته أيها الفيروس؟

02:31 صباحا
قراءة دقيقتين
يوسف أبو لوز

جعلت روسيا تطلب العِلم من الصين، كما يقول الخبر، ونشرت أدبيات جديدة وسريعة في أقل من مئة يوم من العزلة، أعدت قارئ الرواية إلى عناوين كأنها من اختراعك أيها الفيروس المتناهي في الصغر. كان ماركيز يتحدث عن الحب في زمن الكوليرا، فإذا بنا نتحدث عن الحرب أو الحب لا فرق في زمن «كورونا». وكان ماركيز أيضاً كتب روايته «مئة عام من العزلة»، وها أنت أيها المتناهي تحت المجهر تحشر العالم في مئة يوم من العزلة. أخليت الشوارع والميادين. أغلقت المدن وعزلت القارّات والثقافات والشعوب. وفي الوقت نفسه جعلت من العالم قرية كونية واحدة. ليست على أساس فكر العولمة والاقتصاد العابر للحدود، بل، على أساس إنساني واحد. المبتدأ فيه هو شعور الانسان بفردانيته وجامعيته في آن واحد عندما يكون مهدداً بمجرد فيروس لا يراه الّا بالمجهر.
ما الذي فعلته أيها الفيروس؟ عزلت القارّة الشقراء في ثقافتها الفردانية، وهدمت فكرة التحالفات القائمة على المصالح السياسية لا الإنسانية. وكل الطرق أيها الفيروس لا تؤدي إلى روما، إلّا طريق الحرير من الصين وأعالي آسيا إلى المدينة المتوسطية الثقافية، والتي عرفت الكثير من الأوبئة قبل ذلك، وخرجت منها مثل طائر العنقاء.
ما الذي فعلته يا «كوفيد» في مئة يوم من العزلة؟
أوقفت حمى المذهبيات، والطائفيات، والعنصريات، والاثنيات، والجهويات، والانتهازيات. وإن لم تكن قد أوقفتها كلياً، فعلى الأقل أوقفتها وخفضت درجة حرارتها قليلاً.
ما الذي فعلته يا فيروس العالم والأرض والوجود؟
ثبت أن الإنسان هو سيّد المكان، ولا مكان مأهولاً، وحيوياً، ومتحركاً، وله صوت وكيان ورائحة، إلا بالإنسان.
ألا ترى أيها الفيروس أن صالة السينما هي مجرد قبر بارد من دون عائلة تشاهد فيلماً مع أطفالها وهم يكركرون بالضحك، والشغب اللذيذ؟
ألا ترى أن الإنسان هو وحده من يعطي المكان قيمته المادية والمعنوية عندما يحضر فيه ويملؤه بصوته ولونه ومزاحه ومزاجه وقوّته وحتى بضعفه؟
لهذا كلّه، شكراً «كوفيد».
شكراً أن أعدت بعضنا وليس كلنا إلى إنسانيته وضعفه وخوفه وملاذاته الروحية قبل المادية.
شكراً أن جعلت العالم خائفاً إلى هذه الدرجة من الارتباك، لكي يعرف معنى الطمأنينة.
شكراً أن جعلت العالم معزولاً ومتباعداً وموبوءاً ومُعدياً، لكي نعرف معنى التقارب والقربى. لكي نعرف معنى العافية في هذا العالم الكبير المريض.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"