الحب في زمن «كورونا»

02:50 صباحا
قراءة دقيقتين
د. حسن مدن

تنتهي الرواية الجميلة لجابرييل ماركيز «الحب في زمن الكوليرا»، بانتصار حب مؤجل أكثر من نصف قرن بين امرأة ورجل أحبّا بعضهما في سن المراهقة، لكن الحياة أخذت كلاً منهما إلى مسارين مختلفين، تزوجت المرأة من طبيب مشهور، فيما عزف الرجل عن الزواج طوال تلك السنوات، إلى أن آنت لحظة لقائهما ثانية بعد أن أصبحت المرأة أرملة.
لا متسع للتفاصيل هنا، ولكن الصفحات الأخيرة في الرواية تحكي عن رحلة نهرية على متن إحدى السفن التابعة للشركة التي يملكها الرجل، دعا محبوبته القديمة إليها، برغبة أن يقتربا من بعض بعد قطيعة طويلة، ويجددا الحب الذي لم تنطفئ جذوته بعد.
ولأن لكل رحلة بداية ونهاية، تفتق ذهن الرجل عن فكرة لكي يطيل الرحلة ما أمكنه، فزعم أن وباء الكوليرا بدأ يتفشى، ليحمل جميع الركاب على مغادرة السفينة خوفاً، فيما بقي هو والمرأة على ظهر الباخرة التي ظلت تتحرك في النهر رافعة علماً يشير إلى الوباء.
شعر قبطان الباخرة بعبث فكرة أن يظل يقود الباخرة دونما نهاية، فتجرأ على سؤال سيده: «إلى متى تظن بأننا نستطيع هذا الذهاب والإياب الملعون». وبعبارات ماركيز، «كان الجواب جاهزاً لدى فلورينتشيو ( وهو اسم الرجل العاشق): منذ 53 سنة وستة أشهر و11 يوماً بلياليها، فقال: «مدى الحياة».
المدهش أن موقع «آر تي» الذي اختار العنوان الذي تجدونه على صدر هذا المقال لم يأت أبداً على ذكر الرواية التي منها استوحي العنوان، وهو يتحدث عن زوجين صينيين يودعان بعضهما في المستشفى وسط التفشي الدرامي لفيروس «كورونا»، واختار بدلاً من ذلك الإشارة إلى الزوجين اللذين تعانقا في فيلم «تايتانيك»، عندما غرقت السفينة.
حسب الموقع فإن الفيديو الذي يظهر الزوجين الصينيين اجتاح الشبكات الاجتماعية في الأيام القليلة الماضية، حيث حقق أكثر من 780 ألف مشاهدة، وفيه يظهر الزوجان المسنان، تماماً كما هما بطلا ماركيز، إذ يبلغان الثمانينات من عمرهما، مستلقيين على السرير، يمسكان يدي بعضهما وينتظران أسوأ ما يمكن أن يحدث، بعد أن كشف كلا اختباريهما عن إصابتهما بفيروس «كورونا»، الذي يصيب كبار السن خاصة وكل من ليست لديهم أجهزة مناعة قوية.
وقالت منصة «تويتر» التي بثت الفيديو إن هذه اللقطة تظهر ما قد تكون آخر مرة يلتقيان فيها ويسلمان على بعضهما بعضاً، على خلاف ما كان عليه الأمر في «الحب في زمن الكوليرا» وهي تعلن انبعاث حب لم يمت.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"