غرفة تخصّ المرء وحده

04:39 صباحا
قراءة دقيقتين
د. حسن مدن

المدوّن الكويتي على منصة «تويتر» عبد الهادي الجميّل كان في زيارة إلى البحرين، حيث غادرها قبل يومين. وامتثالاً لأوامر الجهات الطبية في الكويت لكل العائدين من السفر، «حجرَ» نفسه في غرفة بمنزله، وكانت تلك بمثابة الفرصة الطيبة له لينشط على منصته الإلكترونية المفضلة، فابتدع لنفسه «هاشتاج» موفقاً أسماه: #غرفة_تخصّ_عبد الهادي_وحده، مستوحياً بذلك عنوان المحاضرة الشهيرة لفرجيينا وولف، التي أصبحت كتاباً شهيراً: غرفة تخص المرء وحده.
في نهاية العشرينات من القرن العشرين طُلب من وولف أن تلقي محاضرة على طالبات جامعة كامبريدج عن المرأة والكتابة، فارتأت أن تنأى عن العناوين والمداخل التقليدية في معالجة هذا الموضوع، الذي يبدو هو الآخر، في الظاهر على الأقل، تقليدياً. واختارت لمحاضرتها هذا العنوان اللافت والجذاب الذي أوحى لصاحبنا اسم الـ«هاشتاج».
شرحت فرجيينا وولف كيف استبعدت المدخل التقليدي الذي كان سيجرّها إلى وضع بضع ملاحظات عن بعض الكاتبات الشهيرات يومذاك، أو أنه سيستدعي الحديث عن ماذا تكتب المرأة أو ماذا يكتب عن المرأة، لتختار تقديم رأيها حول نقطة محددة تتلخص في التالي: إذا أرادت امرأة الكتابة فعليها أن تمتلك غرفة تخصّها وحدها وبعض المال. أما المدوّن الكويتي الجْميّل فقد خصص تغريداته، على ما يبدو، لكل ما يتصل بسيئ الذكر «كورونا» وتداعياته، ليبعث في نفسه، وبالنتيجة في نفوس متابعيه، شيئاً من البهجة والطرافة تكسران رتابة الحجر وكآبة الجو الذي أشاعه «كورونا».
من وحي هذا الهاشتاج، ومن وحي مقالات وتغريدات وتعليقات متتالية، تراءى لي أن «كورونا»، أعاد تنشيط الذاكرة الأدبية للكثيرين منا، بأن أحيا ذكرى أعمال أدبية ذات صلة لا به هو نفسه، وإنما بالأوبئة، أو بالجوائح، كما يطلق عليها اللغويون. وعلى سبيل المثال فلو قام أحدنا الآن بوضع عنوان رواية جابرييل ماركيز: «الحب في زمن الكوليرا» في خانة البحث على «جوجل» لصادفته، بدون مبالغة، عشرات المقالات والتعليقات الطازجة تحت عنوان «الحب في زمن الكورونا».
ولأننا في أجواء «تويتر»، أجد من المناسب لفت النظر إلى ملاحظة نابهة للناقد السعودي د. سعد البازعي، على المنصة نفسها، يلفت فيها نظرنا إلى أن حضور الأوبئة في الأدب العربي وربما في المدونة الثقافية ككل ضعيف، وهذا لا علاقة له بقوة أو ضعف الأدب أو الثقافة وإنما هو ضعف أو قوة حضور حالات تطرأ على حياة الأمم.
يقول البازعي إنه لم يستطع استحضار رواية عربية تتناول الوباء، وفي الشعر لم يستحضر سوى «الكوليرا» و«الطاعون» لنازك الملائكة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"