ابن عباس وابن عمر وابن مسعود

02:19 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عارف الشيخ

هناك عبارة مشهورة بين العلماء وهي: «رخص ابن عباس وتشديدات ابن عمر»، يا ترى ماذا تعني هذه المقولة؟
أقول: لا دخان من غير نار، وما قيلت هذه العبارة اعتباطاً بل لها أصل، إذ ورد في الكتب أن الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور قال للإمام مالك إمام دار الهجرة: يا أبا عبدالله لم يبق على وجه الأرض عالم غيري وغيرك، أما أنا فقد اشتغلت في السياسة، وأما أنت فضع للناس كتاباً في السنة والفقه، وتجنب فيه رخص ابن عباس وتشديدات ابن عمر وشواذ ابن مسعود ووطنه توطئة، فكان ذلك الكتاب هو «موطأ مالك».
وما قاله الخليفة العباسي صحيح، وقد أشار ابن القيم في «زاد المعاد» إلى مثل ذلك عندما قال: بعض المسائل ترخص بها ابن عباس وتشدد بها ابن عمر، فعبدالله بن عمر كان يشدد في بعض الأمور التي لم يكن الصحابة يوافقونه عليها.
فكان على سبيل المثال يغسل داخل عينيه في الوضوء، وكان إذا مسح رأسه أفرد أذنيه بماء جديد، وكان لا يرى دخول الحمام «الحمام بعرف ذلك الزمان للاغتسال» وكان يتيمم بضربتين ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين، وكان يتوضأ من قبلة امرأته، وإذا قبّل أولاده تمضمض.
أما ابن عباس فكان يدخل الحمام، وفي التيمم كان يقول: ضربة واحدة للوجه والكفين، وكان يقول عن تقبيل امرأته: ما أبالي قبلتها أو شممت ريحانا.
ويظهر من هذا العرض أن ابن عباس كان يجتهد ويميل إلى التيسير على الناس، لأن الدين يسر وابن عمر كان يجتهد لكنه يأخذ بالأشد، لأن الاحتياط فيه واجب أيضاً، وبالمناسبة فإن قصة المنصور مع الإمام مالك ذكرها ابن خلدون أيضاً في تاريخه ج١ ص١٨-١٩.
وعن غرائب ابن مسعود أو شواذه في فتاواه أو آرائه ذكروا أشياء كثيرة، ومن ذلك قوله إن المعوذتين ليستا من القرآن، فهو رغم أنه من السابقين في الدخول في الإسلام، لكن كما يقول العلماء فاتته بعض الأشياء، فالمعوذتان في نظره دعاء، فكان كلما وجدهما حكّهما كي لا تدخلا المصحف لأنهما دعاء.

ولا يعد هذا منقصة في حق ابن مسعود فهو من حفاظ القرآن الكريم ومن الذين أشاد الرسول صلى الله عليه وسلم بحسن تلاوتهم، ففي الحديث: «أن الرسول قال: من أحب أن يقرأ القرآن غضاً فليقرأه على قراءة أم أم عبد، يعني عبدالله بن مسعود».

ومن غرائب ابن مسعود أيضاً أنه كان إذا صلى يشبك بين كفيه ثم يدخلهما وهو راكع بين فخذيه ولا يقبض بكفيه على ركبتيه كما هي السنة، ومثل هذه الرواية صحيحة أقرها الشيخ الألباني.

وقد دافع عن ابن مسعود وقال بأن له فضلاً على الإسلام، فربما ما فعله ابن مسعود كان له أصل في بدايات الإسلام، رضي الله عن ابن مسعود الذي كان من السابقين في الإسلام، وأحد الأربعة الذين ثبتوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم يوم غزوة أحد، وهو الذي حز رأس أبي جهل يوم غزوة بدر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"